الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٩٢
الباقي في الحكم واقعا وعلى الثالث بأن الواضع خص المركب المذكور بالباقي فيما إذا لم يشارك مدلول مدخول الأداة له في الحكم واقعا وفي مدلول الوجهين تعسف لا سيما الأخير مضافا إلى ما يرد على القول الأول من لزوم وقوع الاسم باعتبار معناه المستعمل فيه معربا بالحركات الثلاث من غير تعلق عامل لفظي أو معنوي به فإن العشرة على القول المذكور مستعمل في معناه الأصلي وهو مجموع الوحدات ولم يقع عليه الاسناد والتعليق بل على بعضه كالسبعة و ظاهر أن ما لا يتعلق العامل ببعض معناه لا يتعلق بكلمة فيلزم تجرد العشرة باعتبار معناه المستعمل فيه وهو المجموع عن العامل مع اختلافه بحسب اختلاف العوامل في الاعراب وغاية ما في الباب أن يقال لما كان لفظ العشرة هناك قائما مقام السبعة مثلا عومل معاملته و أجري عليه حكمه أو يقال إسناد العامل إلى جز المعنى يقوم مقام إسناده إلى الكل فيلحقه ما يقتضيه من الاعراب ولا يخفى ما فيهما من التعسف وعلى القول الثاني من أن إطلاق العشرة على السبعة مما لا يساعد عليه الذوق فإنا نقطع بأن قول القائل خذ هذه العشرة مثلا مشيرا إلى السبعة أو الأربعة قبيح بل غلط إذ مجرد علاقة الكلية والجزئية لا يوجب صحة الاستعمال ما لم يساعد عليها الطبع على ما مر تحقيقه سابقا ودعوى جوازه في خصوص التركيب المذكور تعسف بعيد وعلى القول الثالث من أن المجاز المركب و الكناية المركبة إنما يتبعان أصلهما في الاعراب لأنهما من قبيل الأمثال وهي لا تتغير واللفظ المذكور لا أصل له ليعتبر إعرابه مع اختلافه باختلاف العوامل الداخلة عليه اللهم إلا أن يقال إنما يلزم ذلك إذا كان التركيب تاما أو مع العامل وإلا فلا واعلم أن من القوم من زاد في التفصي عن إشكال التناقض وجها آخر فقال ولك أن تريد أنه مخرج عن النسبة إلى المتعدد بأن تريد جميع المتعدد وتنسب الشئ إليه فتأتي بالاستثناء لاخراجه عن النسبة ولا تناقض لان الكذب صفة للنسبة الاعتقادية ولم ترد بالنسبة إفادة الاعتقاد بل قصدت النسبة لتخرج منها شيئا ثم تفيد الاعتقاد وهذا غير مستقيم لان النسبة غير موضوعة لإفادة الاعتقاد بل للكشف عن الواقع فإن استعملت فيه عاد الاشكال من لزوم التناقض لتحققه بإثبات النسبة ورفعها ولا مدخل لإفادة الاعتقاد فيه وإن استعملت في الربط الذهني مجردا عن اعتبار الكشف والوقوع لم تدل على وقوع الحكم بالنسبة إلى الباقي بعد الاخراج وإن أريد أنها مستعملة في الكشف باعتبار الباقي وفي مجرد الربط بالنسبة إلى المخرج فصحته بظاهره مبنية على جواز استعمال اللفظ في إطلاق واحد في معنييه الحقيقي والمجازي وقد سبق بطلانه إلا أن يقال إنها مستعملة في معنى واحد وهو مجرد الربط وهو ظاهر في الكشف عن الواقع بالنسبة إلى ما لا قرينة على خلافه لكن يشكل حينئذ في إفادة الاستثناء لمخالفة حكم ما بعدها لما قبلها إلا بالبناء على التعسف السابق وإذا تبين لك مما ذكرنا ضعف الوجوه المذكورة فاعلم أن لنا في التفصي عن الاشكال المذكور وجهين آخرين أحدهما وهو قريب في البعد إلى الوجوه المتقدمة أن إسناد الحكم إلى العشرة مثلا كما يصح باعتبار لحوقه بتمامه كذلك يصح باعتبار لحوقه لبعضه توسعا بتنزيل لحوقه للبعض منزلة لحوقه للكل وحيث كان ذلك خروجا عن الظاهر فإن الظاهر من إسناد شئ إلى الكل ثبوته للكل احتيج إلى نصب قرينة تدل عليه من استثناء ونحوه وبالجملة نتخلص بالتصرف في الاسناد لكن لا كما زعمه الحاجبي ومتابعوه حيث جعلوه متعلقا ببعض المستثنى منه أعني الباقي بعد الاخراج و لا كما زعمه البعض حيث جعل الاسناد إلى غير المخرج لإفادة الاعتقاد وإليه للاخراج بل نجعله لاحقا للكل بعلاقة لحوقه للبعض فإنه كما ينزل الكل منزلة البعض فيثبت له لفظه ويسمى باسمه كذلك قد ينزل منزلته فيثبت له حكمه فهو في الحقيقة من إسناد الشئ إلى غير ما هو له حيث يسند إلى الجميع والتقدير أنه غير مسند إليه واقعا ولا يكون كذبا لابتنائه على التأويل والتنزيل بخلاف الكذب لا يقال لو كان إسناد الحكم إلى الجميع باعتبار ثبوته للبعض لما دل الكلام على ثبوت الحكم للباقي بعد الاخراج مع تعدده لان البعض الذي صح الاسناد إلى الكل باعتبار ثبوته له على ما مر أعم منه لأنا نقول إسناد الحكم إلى الكل باعتبار ثبوته للبعض مما يختلف قربا و بعدا باختلاف البعض قلة وكثرة وهذا ظاهر فثبوت الحكم لغير ما نص على خروجه أقرب إلى الاسناد إلى الكل من ثبوت لبعضه فيكون ظاهرا فيه لا محالة ودلالة الكلام المذكور على ثبوت الحكم للباقي ليست بالنصوصية بل بالظهور فيصح أن يستند إلى ذلك ثم إن قلنا بأن إسناد الشئ إلى غير ما هو له حقيقة كما ذهب إليه جماعة من المحققين لم يكن في اللفظ المذكور تجوز أصلا وإلا كان التجوز في الاسناد فقط ويضعف هذا الوجه خروجه عن الظاهر من حيث النسبة فإن الظاهر منها في المقام عدم الابتناء على التأويل المذكور ومن حيث الأداة فإن الظاهر منها الاخراج ولا إخراج على التأويل المذكور الثاني وهو المعتمد أن المراد بالمستثنى منه ما يتناول المستثنى والنسبة متعلقة به بهذا الاعتبار كما هو الظاهر من اللفظ والمتبادر عند الاستعمال والاخراج راجع إليه ولا إشكال عليه لأنه إن أريد بالتناقض المورد عليه التناقض بحسب ظاهر مؤدى الخطاب فالتزامه مما لا ضير فيه إذ ليس فيه قبح لا عقلا ولا عرفا وإن أريد التناقض بحسب ما هو المقصود من الخطاب حقيقة أعني ما تعلق به القصد بالذات على ما يساعد عليه ظاهر الاستعمال فممنوع لظهور أن المقصود بالذات إنما هو الاسناد إلى ما عدا المستثنى والاسناد إليه في ضمن الكل إنما قصد تبعا لشمول اللفظ له و كذلك لا يلزم الكذب إذ المدار فيه على عدم مطابق النسبة المقصود بالذات على ما يستفاد من الكلام ولو بمعونة المقام إذ كما لا عبرة بعدم مطابقة النسبة التي يدل عليه الكلام ما لم تكن مقصودة وإلا لكان قولنا رأيت
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»