ركيكا لا لأنه إطالة من غير فائدة بل لمخالفته لما بلغهم من طريقة الاستعمال نعم قد يقال ذلك في مقام السخرية والتمليح ثم أيد ذلك بأن المستثنى في معرض النسيان غالبا لقلته وأن الغالب وقوع الاستثناء البدائي كما هو السابع في ألسنة العوام وهو لا يتحقق إلا في حق القليل وليس ذلك إلا لمطابقته لأصل وضع الاستثناء انتهى كلامه ملخصا وجوابه بعد خروج مقالته عن محل البحث كما أشرنا إليه أنا قد بينا بموجب التبادر أن أداة الاستثناء موضوعة لمطلق الاخراج أي لكل فرد من أفراد الاخراج إجمالا من غير اختصاص له ببعض دون بعض فلا يصغى إلى ما ذكر على أن لنا أن نتمسك عليه بظاهر الاستعمال فإنه في مثل المقام يقتضي الحقيقة وما ذكره من أن الاستعمال أعم من الحقيقة إنما يسلم حيث يستدعي الحقيقة تعدد الوضع وليس المقام منه وقد سبق تحقيق ذلك في المقدمة وأما ما يرى من الاستبشاع في بعض صور إخراج الأكثر كما في المثال الذي ذكره فليس لعدم الوضع بل لعدم ملائمة بين الحكم المدلول عليه بأول الكلام وبين الحكم المدلول عليه ب آخره من غير نكتة توجب المصير إلى ارتكابه ولهذا قد يترتب عليه نكتة تمليح أو تهكم أو نحو ذلك فيحسن من غير بشاعة ثم البشاعة الحاصلة على تقدير عدمها ناشئة في التركيب من قبل الطبع دون الوضع كما في بشاعة عطف أحد المتنافرين على الاخر فإنها مستندة إلى الطبع لان أداة العطف على ما يساعد عليه التحقيق لا تختص وضعا بعطف أحد المتناسبين على الاخر ولهذا نجد بشاعة العطف في الوصل بدون العطف أيضا وأما ما ذكره من أن المستثنى في معرض النسيان غالبا ففساده في معرض الغناء عن البيان لتوجه المنع عليه أولا ومنافاته للوجوه المذكورة في دفع التناقض ثانيا فإنه على مختاره فيه إذا أطلق المستثنى منه وأريد به تمامه فكيف يراد بعد ذلك بذلك الاطلاق بعضه وعلى قياسه الكلام على بقية الوجوه ولهذا لو اعترف المقر بأنه أراد بقوله له علي عشرة الاقرار بتمام العشرة ثم تذكر أن الذي عليه سبعة فيتداركه بقوله إلا ثلاثة ألزم بتمام العشرة في وجه قوي لأنه عند التحقيق من باب الانكار بعد الاقرار فلا يسمع نعم قد يتفق النسيان للمتكلم فيتذكر وهو بعد غير متعد عن المحل فيتدارك بالاستثناء مخيلا للسامع أنه كان قاصدا إياه من أول الامر وصونا لكلامه عن التدافع فيؤخذ بالظاهر هذا ولا يذهب عليك أن ما ذكره من أن وضع الاستثناء نوعي غير مرضي عندنا بل التحقيق أنه شخصي وقد مر الكلام في نظائره ومنها أن قضية الأصل عدم جواز الاستثناء لما فيه من التناقض خالفناه فيما دون النصف لقيام الدليل عليه فيبقى ما عداه ممنوعا بحكم الأصل وجوابه ما عرفت مما حققناه في دفع التناقض ومنها أنه لو قال له علي عشرة دراهم إلا تسعة وتسعة أعشار درهم عد مستهجنا وليس إلا لكونه استثناء للأكثر فيدل على عدم جوازه مطلقا وجوابه أنه إن أريد إثبات عدم الجواز من حيث الوضع فمجرد الاستهجان لا يقتضيه وإن أريد إثبات عدم جواز الاستعمال من حيث الطبع نظرا إلى اشتماله على التطويل والتنافر فالدليل المذكور لا يقتضي ثبوته مطلقا وأما القولان الأخيران فمستندهما غير واضح فصل الاستثناء من النفي يقتضي الاثبات وبالعكس وخالفت الحنفية في المقامين فجعلوا مفاد الجملة لحوق الحكم للباقي بعد الاستثناء من غير حكم على المستثنى فجعلوا مفاد الاستثناء السكوت والاعلام بعدم التعرض للمستثنى في المستثنى منه إلا أنهم ذهبوا إلى ثبوت حكم المفهوم في المقام الثاني بالأصل ومن هنا توهم من نسب إليهم القول بثبوت المفهوم في المقام الثاني دون الأول ويشكل عليهم بأن حكم المفهوم قد يكون مخالفا للأصل فكان عليهم أن يخصوا الاثبات بصورة الموافقة ثم لا يذهب عليك أن ثمرة النزاع إنما تظهر فيما إذا كان الاستثناء وترا لا شفعا لان الاعلام بعدم التعرض للمستثنى الثاني في الاعلام بعدم التعرض للمستثنى الأول في الحكم اللاحق للمستثنى منه يوجب لحوق ذلك الحكم له حيث لم يقصدهم فيمن نبه على أنه لم يقصدهم في الحكم المذكور نعم ربما يظهر للنزاع هناك ثمرة في بعض الأحكام كما سننبه عليه في مسألة التعاقب فلنا أولا أن المتبادر من أداة الاستثناء عرفا إخراج المستثنى عن المستثنى منه باعتبار ما تعلق به من النسبة الواقعية وذلك يوجب مخالفته له فيها وإذا ثبت ذلك عرفا ثبت شرعا ولغة بضميمة أصالة عدم النقل وثانيا أن المستثنى لو كان في حكم المسكوت لجاز تشريكه مع المستثنى منه في الحكم نحو جاءني القوم إلا زيدا وجاءني زيد وفساده معلوم من العرف واللغة وثالثا الاتفاق على أن كلمة التوحيد تفيده ولو كان مدلول الاستثناء الاعلام بعدم التعرض لحال المستثنى لم تفده وما يقال من أنها تفيده بحسب عرف الشرع لا اللغة فمدفوع بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يكتفي بها في إسلام قائلها من غير تفتيش عن اطلاعه على عرف الشرع وتبعيته له في الاستعمال ويشكل بأن نزاع الكفار و مخالفتهم لم يكن في أصل الإلهية إذا لم ينكر أحد منهم وجود صانع مدبر للنظام على الظاهر وإنما كان في الصفات كالتوحيد ونفي التعدد فاعترافهم بنفي إلهية غيره تعالى يستلزم اعترافهم بإلهيته تعالى مع أنه تعالى ما كان يكتفي في الاسلام بمجرد الاقرار المذكور ما لم ينضم إليه الاقرار بالرسالة وهو يستلزم الاقرار بإلهية قطعا ورابعا إجماع علماء العربية على أن الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس على ما حكاه جماعة وتأويلهم إياه في الثاني بأنه مجاز حيث عبروا عن عدم الحكم بالحكم بالعدم نظرا إلى كونه لازما له فتعسف واضح يأبى عنه صريح كلماتهم ورام العضدي التوفيق بين الاجماع المذكور وبين مقالة الحنفية فأورد فيه كلاما حاصله أن الخبر يشتمل على نسبة ذهنية لها تعلق بالنسبة الخارجية فإن قيس الاستثناء إلى النسبة الذهنية دل على نفيها عما بعده حيث يقتضي عدم الحكم النفسي فيه وإن قيس إلى النسبة
(١٩٥)