لم يكن له دلالة على نفيها ولا على إثباتها فحمل إجماع علماء العربية على المعنى الأول وجعل نزاع القوم مع الحنفية في المعنى الثاني و اعترض عليه التفتازاني بأن النزاع على هذا التوجيه لا يتأتى في الجمل الانشائية التي هي العمدة في المقام إذ ليس لها نسبة خارجية فيلزم أن لا يكون زيد في مثل أكرم الناس إلا زيدا في حكم المسكوت عنه بل محكوما عليه بعدم إيجاب إكرامه بلا خلاف ودفعه المحشي الشيرازي أولا بأن هناك إيجابا خاصا وإيجابا مطلقا واللازم مما ذكر أن يكون زيد في المثال المذكور محكوما عليه بعدم وجوب إكرامه بالايجاب الخاص أعني الايجاب الذي أنشأه بقوله أكرم لا عدم إيجاب إكرامه مطلقا ولو بأمر آخر فيمكن تحرير نزاعهم في المقام الثاني فيكون مراد الحنفية بكون المستثنى مسكوتا عنه أنه غير محكوم عليه بعدم الايجاب المطلق وإن كان محكوما عليه عندهم بعدم الايجاب الخاص بناء على ما مر وثانيا بأن مدلول الاستثناء عند الحنفية فيما مر الاعلام بعدم قصد تعلق الايجاب بإكرام زيد وهذا غير ما يجعله غيرهم مدلولا له من الحكم بعدم تعلق الايجاب بإكرام زيد وإن كان مستلزما له فإن الكلام في الدلالة اللفظية التي هي مقصودة للمتكلم لا في الدلالة مطلقا وثالثا بأن السكوت و عدم التعرض إنما ذكر في النسبة الخارجية دون النفسية وليس في الجمل الانشائية نسبة خارجية فهي خارجة عن محل البحث وهذا محصل كلامه ومنقح مرامه ولا يخفى أن الوجه الأول تعسف في كلامه لعدم مساعدة الاستعمال عليه لامتناع قولك أكرم العلماء إلا زيدا و أكرم زيدا فليتأمل والثاني يقتضي أن يكون النزاع في كيفية الدلالة لا في أصل الدلالة كما هو المعروف والثالث اعتراف بما ذكره المعترض وتنزيل كلام الحنفية عليه بعيد فإن الظاهر منهم عدم الفرق بين النشاء والخبر والتحقيق أن ما جعله العضدي توفيقا بين مقالة علماء العربية وبين مقالة الحنفية تعسف بعيد لا يكاد يخفى ضعفه على أحد فإن المفهوم من مقالة علماء العربية أن الاستثناء من النفي يقتضي الاثبات وبالعكس أنه يقتضي ذلك باعتبار النسبة الخارجية دون النسبة الذهنية فقط كما ذكره مع أنه لا يستقيم في الاستثناء من النفي فإنهم جعلوه للاثبات و على ما ذكره يكون للنفي أيضا احتجوا بمثل لا علم إلا بحياة ولا صلاة إلا بطهور فإنه لو دل الاستثناء فيه على الاثبات لدل على ثبوت العلم بمجرد الحياة والصلاة بمجرد الطهارة وإنه باطل بالضرورة و الاتفاق والجواب أن استثناء الطهور من الصلاة والحياة من العلم غير صحيح لعدم الجنسية فلا بد من تقدير إما في جانب المستثنى بأن يكون المعنى لا صلاة إلا صلاة بطهور ولا علم إلا علم بحياة أو في جانب المستثنى منه بأن يكون المعنى لا صلاة بشئ أو بوجه إلا بطهور ولا علم بشئ أو بوجه إلا بحياة فإن زعموا أن العبارتين على التقدير الأول تقتضيان ما ذكروه فضعفه ظاهر كما أشار إليه التفتازاني و غيره من أن الاستثناء من النفي إنما يقتضي الاثبات الجزئي فقولنا لا صلاة إلا بطهور إنما يقتضي إثبات صحة الصلاة مع الطهور في الجملة لا مطلقا إذ ليس هناك ما يقتضي العموم وتحقيق ذلك أن الجمل الاستثنائية تقوم غالبا مقام جمل فعلية أو اسمية فتفيد مفادها في العموم وعدمه فإذا قلنا جاءوا القوم أو ما جاءوا إلا المشاة كان قولنا إلا المشاة في قوة قولنا ما جاء المشاة أو جاءوا فيدل بظاهره على عموم النفي أو الاثبات بدليل صحة الاستثناء منه كأن يقال إلا حفاتهم من غير خروج عن الظاهر فإذا قلنا ما جاءني إلا العالم دل على مجئ العالم كما لو قلت جاءني العالم لا على مجئ كل فرد منه وكذا إذا قلت إلا عالم عند قصد الجنسية ولا خفاء في أن المقام من هذا القبيل فيكون في قوة المهملة وإذا قلنا جاء القوم إلا العالم كان الظاهر منه العموم عند عدم العهد كما لو قلنا ما جاءني العالم نعم إذا كان المستثنى نكرة من الاثبات كان الظاهر نفي الحكم عن فرد لا بعينه لا عموم النفي فإذا قلنا جاءني الرجال إلا عالما دل على أن عالما لم يجئ لا أن كل فرد منه لم يجئ بدليل عدم صحة الاستثناء منه من غير خروج عن الظاهر على أن الحمل على الاثبات الكلي في البيان المذكور مستقيم بناء على تعلق النفي بالماهية الحقيقية سوأ قلنا بأنها الصحيحة كما هو الصحيح أو الأعم ولا يلزم خلو الكلام عن الفائدة لدلالتها على شرطية الطهور وعدم تحققها بدونه وإن زعموا أنهما يقتضيان ذلك على التقدير الثاني نظرا إلى أن مفادهما حينئذ أن الصلاة تكون مع الطهور أو بالطهور فقط وأن العلم يكون مع الحياة أو بالحياة فقط كما هو قضية الحصر الحقيقي فينافي شرطية غيرها فهو بظاهره متجه ولا مخلص عنه إلا بحمل القصر فيه على القصر الإضافي وهو متداول في المقام شائع في الاستعمال ومعه يندفع الاشكال ويبطل الاستدلال وأما ما يقال من أن المفهوم من الكلام المذكور عرفا هو مجرد شرطية الطهور للصلاة لا أنها تحصل بمجرده فمبني على استظهار كون القصر في ذلك إضافيا فيرجع [فلا ينافي] إلى ما ذكرناه واحتجوا أيضا بأن الاستثناء يقتضي رفع الحكم السابق وهو أعم من الحكم بالرفع وجوابه أن أداة الاستثناء إنما وضعت لرفع النسبة المستفادة من الكلام السابق عن مدخولها فإن كانت تلك النسبة نسبة إنشائية كما في قولك أكرم العلماء إلا زيدا فلا ريب أن رفعها يقتضي رفع ما أنشأه من طلب أو غيره بالنسبة إليه وإن كانت نسبته خبرية فقد حققنا سابقا أنها موضوعة للنسبة الذهنية من حيث كونها كاشفة عن النسبة الخارجية فرفعها رفع للنسبة الخارجية لان الحكم اللاحق لوجه الشئ باعتبار كونه وجها له لاحق لذلك الشئ فيكون مفادها في القسمين ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى لامتناع ارتفاع النقيضين فصل إذا خص العام فقد اختلفوا في كونه حقيقة
(١٩٦)