هذا إذا عرفت ما حققناه فالمختار عندي ما ذهب إليه الأكثرون من اعتبار بقاء جمع يقرب من مدلول العام لكن لا مطلقا بل من حيث يكون الاستعمال بعلاقة العموم والخصوص وأما إذا استعمل بغير هذه العلاقة كالجمع المعرف والموصولات إذا جردت عن اعتبار التعيين الحقيقي فيها بناء على ما حققناه من أن التعيين معتبر في معانيها جاز تخصيص الجمع منها إلى ثلاثة والمفرد إلى الواحد وكذا إذا كان المقصود به المبالغة أو التعظيم أو نحو ذلك جاز التخصيص إلى الواحد وكان هذه الصور خارجة عن محل النزاع كما يشعر به تمثيلهم وقد نص عليه بعضهم في التعظيم ويؤيده اعتراف كل من الفريقين به فيما سيأتي لنا أن العلاقة المذكورة إنما تعتبر حيث يساعد عليها الطبع كما مر تحقيقه في أوائل الكتاب وهذا بحكم الاستقراء إنما يتحقق بين المجموع وما يقاربه دون مطلق الابعاض و إلى هذا يرجع ما استدل به الأكثر من القطع بقبح قول القائل أكلت كل رمانة في البستان وفيه آلاف وقد أكل واحدة أو اثنين وقوله كل من جاءك فأكرمه وفسره بزيد أو هو مع عمرو وبكر ونحو ذلك و لا كذلك إذا فسره بجمع يقرب من مدلول العام فإنهم أرادوا بالقبح فيه ما يساوق الغلط كما هو الظاهر من إطلاقه في مثل المقام لا مجرد الاستبشاع وخروج اللفظ عن حد الفصاحة فإنه لا ينافي الجواز وأما ما استدل به بعض المعاصرين من أن جواز الاستعمال توقيفي والقدر الثابت منه في المقام ما ذكرناه ويكفي في نفي ما عداه عدم قيام دليل على جوازه فليس على ما ينبغي لأنه إنما يقتضي التوقف في الجواز لا نفيه واقعا حتى إنه لو فرض أن رواية اشتملت عليه فليس له ترك العمل بمؤداها لان عدم العلم بالجواز لا ينافي الجواز احتج من قال بجواز التخصيص إلى اثنين أو ثلاثة بما قيل في الجمع من أن أقله اثنان أو ثلاثة ففرعوه على كون الجمع حقيقة في أحد الامرين وأجيب بأن الكلام في أقل مراتب التخصيص لغة لا في أقل مراتب الجمع فإن الجمع ليس بعام ولا دليل على تلازم الحكمين واعترض عليه بعضهم بأن المستدل إذا ثبت ذلك فيما إذا كان العام جمعا فله أن يثبت في غيره بعدم القول بالفصل ثم أجاب بأن العام المخصص مجاز والجمع إذا استعمل مجازا لا يلزم بقاؤه على حقيقته وفيه ما لا يخفى احتج القائلون بجوازه إلى الواحد بوجوه منها أنه يجوز أكرم الناس إلا الجهال وإن كان من عداهم واحدا بالاتفاق والجواب أن هذا خارج عن محل النزاع على ما عرفت في تحرير فإن التخصيص بالاخراج لا يوجب التجوز في لفظ العام كما سنحققه ولو تعسف بارتكاب التجوز فيه منعنا جوازه في مثل المثال المذكور ولا اتفاق عليه ومنها أن استعمال العام في الخاص بطريق المجاز وليس بعض الافراد أولى من بعض فيجب الجواز إلى الواحد وأجيب عنه أولا بالمنع من عدم الأولوية فإن أقربية الأكثر يوجب أولويته حكاه في المعالم عن العلامة وتنظر فيه بأن الأقربية إنما توجب أرجحية إرادة الأكثر لا امتناع إرادة غيره كما هو المدعى وفيما تنظر فيه نظر لان الأقربية إنما توجب الأرجحية مع ثبوت العلاقة بدونها لا مطلقا ولا خفاء في أن مقصود المجيب رد الدليل المذكور لا إثبات المدعى به وحيث إن المستدل بنى دليله على عدم أولوية بعض الافراد من بعض كفي في هدم ما أسسه من إثبات الأولوية ولا حاجة إلى بيان ما يزيد عليه و قد يعارض بأن الأقل متيقن الإرادة بخلاف الأكثر فتكافئ تلك الأولوية وهذه المعارضة لا تخلو من نوع مصادرة لان المجيب لم يساعد على عدم كون الأكثر متيقن الإرادة كيف وقد منع من الاستعمال في الأقل فتأمل على أن هذه الأولوية على تقدير تسليمها لا توجب أولوية الاستعمال في الأقل وإنما توجب أولوية الحمل عليه عند الشك ولا مدخل له في المقام وقد يوجه كلام المستدل بأن مقصوده أن الاستعمال المذكور بعلاقة العموم والخصوص وليس بعض الافراد في هذه العلاقة أولى من بعض فيندفع عنه الجواب المذكور لأنه لا يوجب الاختلاف فيها وفيه نظر لأنه إن أريد أن العلاقة الحاصلة من جهة العموم و الخصوص متساوية في الجميع فتكون معتبرة في الجميع فتوجه المنع عليه جلي كما قرر في الجواب لأنها مقولة على أفرادها بالتشكيك لا بالتواطي و إن أريد أن القدر المشترك المعتبر منها في صحة الاستعمال إنما هو مجرد التناسب بالعموم والخصوص وهو متساو في الجميع فهو و إن كان تعسفا في كلام المستدل لكن لا يتجه على تقديره الجواب المذكور بل الوجه في الجواب حينئذ أن يقال لا نسلم أن استعمال العام في الخاص بمطلق علاقة العموم والخصوص حتى يلزم تساوي جميع صور التخصيص فيها بل بنوع مخصوص منها وهو ما يوجد بين الكل وما يقاربه و ثانيا بأن استعمال العام والخاص على ما اعترف به المستدل مجاز فلا جرم يستدعي علاقة مصححة وليست علاقة الكل والجز ليلزم تساوي الأجزاء فيها حيث لا تشترط بشرط كما يشترط في عكسها لان مدلول العام كل فرد لا مجموع الافراد بل علاقة المشابهة الناشئة من الاشتراك في صفة الكثرة وهي إنما تكون بين الأكثر والمجموع دون غيره وفيه نظر أما أولا فلان النزاع في هذا الأصل على ما يظهر من إطلاقهم لا تختص بالعام الافرادي بل في مطلق العام أفراديا كان أو مجموعيا وقضية الجواب المذكور التزام جواز التخصيص في العام المجموعي إلى الواحد دون الافرادي أو هذا التفصيل مع بعده عن الأنظار المستقيمة مما لا مصرح به بل لا قائل به ظاهرا فيمكن دفعه بأنه خرق للاجماع المركب وأما ثانيا فلان العلاقة التي تصح أن تعتبر في المقام لا تنحصر في علاقة المشابهة حتى يختص ثبوتها بأكثر الافراد بل يجوز أن تعتبر فيه أيضا علاقة العموم والخصوص فإنها أيضا علاقة برأسها معتبرة في الاستعمال كما نص عليه جماعة من المحققين وهي مشتركة بين العام وجميع جزئياته متساوية بينها على بعض الوجوه السابقة فيبقى الاشكال بحاله وقد ينكر علاقة العموم والخصوص بالمعنى المبحوث عنه وينزل العموم في مقالة من ذكر هذه العلاقة على العموم المنطقي وهو غير
(١٨٧)