الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٨١
في نظائر المقام من حيث معانيها الحرفية دون الاسمية وأما التكاليف المستفادة من تلك الخطابات إذا فرض اشتمالها عليها فإنما تتعلق بالمخاطبين بها على تقدير وجودهم بالشرائط المعتبرة ومن جملتها بلوغها إليهم فيمتنع تعلقها بهم بدونها لامتناع تحقق المشروط بدون شرطه وليس الامر ولواحقه حينئذ من باب الاخبار بحصول الطلب عند حصول الشرط على ما سبق إلى بعض الأوهام كيف والامر على الوجه المذكور مما لا يحتمل الصدق والكذب ولو كان من باب الاخبار لاحتملهما بل إنما هو إنشاء طلب مشروط و توضيحه أن الامر كما قد ينشئ طلبا مطلقا غير مقيد وقوعه بشئ كذلك قد ينشئ طلبا مشروطا مقيدا وقوعه بحصول شئ ففي الأول يتعلق الطلب بالمأمور حال النشاء وفي الثاني يتوقف تعلقه به على حصول الشرط وعند حصوله يتعلق به بذلك النشاء إن لم ينسخه و يمكن حمل الخطابات الشرعية الصالحة للتعميم على مثل هذا المعنى إلا أنه في خطابات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة خروج عن الظاهر من غير مستند ظاهر لان الوجوه التي تمسكوا بها مدخولة وأما بالنسبة إلى خطاباته تعالى فغير بعيد إن جعلناها من الخطابات الشخصية نظرا إلى أنها إنما كانت تبلغ الحاضرين بواسطة جبرائيل و النبي فالذي كان يبلغ إليهم لم يكن نفس تلك الخطابات بل حكاياتها وهي تبلغ المعدومين أيضا والتجوز حاصل على التقديرين مع أن التزام اختصاص تلك الخطابات لأهل المجلس مطلقا أو خصوص المجلس الأول تعسف ظاهر والتعميم إليهم وإلى غيرهم من الموجودين فقط ليس بأولى من التعميم إليهم وإلى غيرهم للزوم الخروج عن ظاهر الخطاب على التقديرين فإن رجح الأول بأنه أقرب إلى الحقيقة أمكن معارضته بأن الثاني أوفق بما هو المقصود في المقام من تعميم الاحكام مع أنه يمكن أن يجعل ذلك قرينة على التعميم وإن قلنا بأن الخطاب حقيقة على التقادير الأول ولا يتوهم أنه يلزم على هذا التقدير استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي حيث إنه مستعمل في الحاضرين أو الموجودين الذين هم مدلوله الحقيقي وفي غيرهم وهم مدلوله المجازي وذلك لان الموجودين أو الحاضرين إنما يكون مدلوله الحقيقي إذا أطلق وأريدوا منه خاصة وأما إذا أطلق وأريدوا منه مع غيرهم فلا ريب في أن المجموع المركب ليس بالمعنى الذي وضع اللفظ بإزائه فيكون استعماله فيه مجازا لا محالة وأما ما ذكره بعض الأفاضل من أن جميع الخطابات الشرعية متعلقة على شرائط التكليف وهي مختلفة بالنسبة إلى آحاد المكلفين فمن حصلت له اندرج تحته وهذا أمر واحد لا تعدد فيه فلا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي فغير سديد لان ما يصلح للتعليق إنما هو الحكم المستفاد من الخطاب دون نفس الخطاب وهذا واضح وقولنا بجواز تعلقه بالمعدوم حال الخطاب لا ينافي كونه منجزا كيف ولولاه لم يحتج إلى تنزيل المعدوم منزلة الموجود الحاضر نعم يتجه اعتبار ذلك في الخطاب النوعي بالنسبة إلى أفراده الذهنية أو الخارجية الحادثة عند توجه المخاطب إليه كما سيأتي ولكنه بعيد عن مساق كلامه وأما ما يقال عليه من أن التعليق لا يصح من العالم بالعواقب فقد بينا ما فيه في بحث الواجب المشروط واعلم أنه كما يصح الخطاب باللفظ كذلك يصح بما يدل عليه من الخطوط والنقوش وكما يصح بشخص اللفظ والخط كذلك يصح بنوعيهما وتحقيق ذلك أن الخطوط ليست موضوعة بإزاء المعاني ابتدأ وإلا لتعسر ضبطها ولا لشخص من الكلام على التعيين أو على البدلية لعدم دلالتها عليه مع تخلفها عنها وإنما هي موضوعة بإزاء الملفوظات أعني ما يقع التلفظ بها سواء تلفظ بها أو لم يتلفظ ولا ريب أنها أمور كلية منطبقة على جزئيات متكثرة ولا يتخلف عنها في الدلالة إلا عند الجاهل بأوضاعها فكما أن اللافظ يخاطب بالألفاظ فيوجهها إلى من يقصد توجيهها إليه لتفهيم معانيها كذلك الراقم يخاطب بما يخطه فيوجهه إلى من يقصد توجيهه إليه لتفهيم الألفاظ من حيث دلالتها على معانيها ولا فرق في ذلك بين أن يكون المقصود مخاطبا بعينه كما في المكاتيب المتداولة أو غير معين وإن اشتمل على تعيين إجمالي كما في مقالة المصنفين اعلم وافهم و تدبر ونحوها فإنها خطابات منهم إلى كل من وقف على تلك الرقوم و لا يقدح في ذلك إفراد الضمير وتعدد المخاطبين مع ما ثبت عندنا من المنع من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد لان مدلول المكتوب هو النوع دون الشخص فيصح اعتبار تعلقه بالمتعدد ولو بحسب تعدد تحققاته الخارجية أو تعدد تحصلاته الذهنية الناشئ من تعدد تصوراتهم له مع احتمال أن يجعل الخطاب إلى نوع الناظر في كلامهم فكأنه قيل اعلم أيها الناظر في الكتاب فلوحظ الجميع بعنوان واحد وخوطبوا بخطاب واحد بتنزيلهم منزلة شخص واحد بل مصنفاتهم من أولها إلى آخرها خطابات إلى الناظرين إليها ممن لهم أهلية النظر فيها وإن لم يشتمل على لفظ خطاب إلا ما شذ منها وندر كقولهم في مفتح الكتاب نحمدك اللهم وشبهه ولذلك لا فرق فيما مر بين الخطوط التي قصد التوجيه والخطاب بأشخاصها كما في المكاتيب أو قصد بأنواعها أعني القدر المشترك بين المرسوم منها و بين غيره من الافراد كما في الكتب المصنفة فإن المصنفين إنما يقصدون توجيه نوع ما رسموه إلى الناظرين إليه حتى إن النسخ المأخوذة من نسخهم أيضا موجهة إلى الناظرين إليها لتحقق النوع الموجه فيها نعم لا بد من اعتبار قصد الحكاية أو الاختصاص العرفي ليتحقق التميز ولا تتداخل عبائر الكتب ومما يبين ذلك أن الوضع إنما يلحق الأمور الكلية من اللفظ والخط وشبههما دون الشخصية لانتفاء الفائدة المعتد بها في حقه فكما أن الواضع لم يضع شخصا من اللفظ بعينه بإزاء معنى بل وضع الامر الكلي الدائر بين مصاديقه له كذلك لم يضع شخصا من الخط بإزاء اللفظ بل وضع القدر المشترك بين مصاديقه له فيصح التوجيه والخطاب في المقامين بالشخص والنوع لا يقال إذا لم يكن الشخص موضوعا فكيف يتحقق التوجيه به إذ لا وجه لتوجيه غير الموضوع في غير مقام الحكاية لأنا نقول حيث كان الشخص في الخارج عين النوع فتوجيه أحدهما عين توجيه الاخر في الخارج وإن تغايرا في العقل والفارق بين الوجهين المذكورين أن المقصود في أحدهما
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»