واضح لان العلاقة المصححة للاستعمال كما يتحقق بين الكلي و الجزئي باعتبار الكلية والجزئية كذلك يتحقق بين مدلول كل فرد وبين أكثر الافراد باعتبار الشمول والاندراج ولو على وجه مخصوص فلا وجه لعدم اعتبارها حينئذ وأما ثالثا فلان شمول ألفاظ العموم لما يندرج فيها من أفراد مفهومها قد يكون بطريق المطابقة كما في النكرة المنفية والمضاف إليها لفظ الكل وشبهه بناء على أن الموصوف بالعموم هناك نفس النكرة المقيدة كما هو الظاهر وقد يكون بطريق التضمن كما في الجمع المعرف فإن ما يتناوله من أفراد مفهومه أجزاء له لما عرفت من أن المراد به مرتبة معينة بالعهد و شبهه أو جميع الافراد على التقديرين تكون الآحاد أجزاء للمرتبة وليست بجزئيات للجمع لعدم صدقه عليها كما نبهنا عليه عند إبطال قولهم بإبطال اللام معنى الجمعية وصدق على كل ثلاثة منها فما زاد على تقدير تحققه غير مفيد لعدم تعلق القصد والحكم بمدلوله بهذا الاعتبار فدعوى أن شمول العام لما يندرج فيه من قبيل شمول الكلي لجزئياته لا من قبيل شمول الكل لاجزائه إنما يتم في القسم الأول دون الثاني وإن كان عمومه باعتبار تعلق الحكم به أفراديا إذ العبرة بدلالة العام لا بكيفية تعلق الحكم به فيرجع هذا عند التحقيق إلى الوجه الأول مع أن للخصم أن يعكس العلاقة في الأول فيجعل الاستعمال فيه من باب إطلاق اللفظ الموضوع للجز في الكل حيث إن الكلي جز من الجزئي فيكون المراد بالرجل في قولك لا رجل الطبيعة مع بعض خصوصيات أفرادها فيختص النفي بها وعلى قياسه نحو كل رجل ولا يقدح اشتراطه بكون الجز بحيث يلزم من عدمه عدم الكل لان زوال كل كلي يؤدي إلى زوال جزئية المتقوم به و إن كان عرضيا كالضاحك فإن زواله يستلزم زوال فرده الذي هو تمام حقيقته كهذا الضاحك ولا ينافي عدم استلزامه لزوال الانسان إذ ليس الاطلاق باعتباره ولو سلم أن مبنى العرف ليس على هذه التدقيقات فلا ريب في مساعدته على الانتفاء في الذاتيات وهو كاف في إبطال ما أراده المجيب من عموم المنع نعم لا يلائم هذا البيان لما حررناه في محل النزاع وكيف كان فالتحقيق في الجواب أن يقال أنواع العلائق بأسرها إنما تعتبر حيث يساعد عليها الطبع على ما مر تحقيقه في أوائل الكتاب والبيان المذكور إنما ينهض بإثبات نوع منها في المقام وهو بمجرده لا يوجب جواز الاستعمال ما لم تثبت المساعدة المذكورة ومنها قوله تعالى وإنا له لحافظون والمراد به هو سبحانه وحده وأجيب عنه بأنه خارج عن محل النزاع أما أولا فلان الكلام في صيغة العموم لا في صيغة الجمع ولو تعسف في إدخالها بتفسير العام بما يتناول ذا الأجزاء كالثلاثة منعنا توجه النزاع هنا إليه وأما ثانيا فبأنه للتعظيم وليس من التعميم والتخصيص وذلك لما جرى به العادة من أن العظماء يتكلمون عنهم وعن أتباعهم فيغلبون المتكلم فصار ذلك استعارة للعظمة ولم يبق معنى العموم ملحوظا أصلا وهذا الوجه مما ذكره بعض المحققين كالعضدي وغيره وفيه إشارة إلى ما قررناه في محل النزاع ويمكن استفادة التعظيم من تنزيل الواحد منزلة الجماعة ولعله بعيد في الآية ويمكن الجواب أيضا بأن المراد به تعالى مع الحفظة أو الحفظة خاصة فلا يكون مستعملا في أقل من ثلاثة ومنها قوله تعالى الذين قال لهم الناس والمراد به نعيم ابن مسعود باتفاق المفسرين ولم يستهجنه أهل اللسان وأجيب بأنه أيضا خارج عن محل النزاع إذ الكلام في تخصيص العام والناس هنا للمعهود وليس المعهود بعام وهذا الجواب وإن وقع ممن ينكر عموم المعهود رأسا إلا أنه هنا جيد لا ينافي ما ذكرناه من اختيار العموم لان ذلك يختص عندنا بما إذا كان المعهود جماعة كما أشرنا إليه وقد ينكر اتفاق المفسرين على ذلك ويمنع صحة إطلاق اسم الجمع المعرف على فرد واحد معهود لكن قد ورد التفسير به في رواياتنا المروية عن الأئمة عليهم السلام فينبغي توجيهه إما بجعله من باب التوسع في النسبة كما في قولهم قتل بنو فلان فلانا حيث أسندوا الفعل الصادر من الواحد إلى الكل توسعا أو بحمله على الجنس كما في قولهم فلان يركب الخيل أو بأن القائل المذكور لما قال ذلك من قبل جماعة كما يشهد به حكايته المعروفة نزل منزلة تلك الجماعة و أطلق عليه لفظ الناس وكيف كان فلا يكون الاستعمال بعلاقة العموم والخصوص ومنها أنه لا ريب في جواز أكلت الخبز وشربت الماء مع أن المأكول والمشروب منهما قدر قليل والجواب أن هذا أيضا خارج عن محل النزاع إذ كل من لفظي الخبز والماء ليس بعام بل هما للجنس واللام فيهما لتعريفه وكون المقصود بعض أفراده إنما يستفاد من تعليق الاكل و الشرب بهما فإنه قرينة على أن ليس المراد بهما الجنس من حيث هو بل من حيث الوجود في ضمن بعض الافراد واعلم أنا لو جعلنا التقييد بالشرط من باب التخصيص لزم القول بجواز التخصيص المستوعب فيما إذا انتفي الشرط رأسا كما قال أكرم العلماء إن كانوا شعراء ولم يتفق عالم شاعر وتعميم النزاع المتقدم إليه بعيد جدا فإن إطباقهم على جواز أكرم زيدا إن كان شاعرا على خلاف لهم فيما لو علم الامر بانتفاء الشرط كما مر في بعض مباحث الامر يوجب إطباقهم في العام أيضا والفرق بين المثالين غير معقول تمهيد مقال في دفع إشكال قد تأتي إلا للاستثناء فتستعمل تارة في إخراج ما دخل في الحكم السابق سواء كان تناوله بدليا أو شموليا أفراديا أو مجموعيا على إشكال في النوع الأول و سواء كان دلالته على الشمول بالوضع أو لا وأخرى بمعنى لكن فتستعمل حيث يصح أن تستعمل لكن فيعتبر أن يكون الحكم السابق موهما لخلاف الحكم الثابت لمدخولها فيأتي بها استدراكا كالدفع ذلك الوهم سواء اختلف الحكمان في الكيف نحو جاءني القوم إلا حمارا أو لا نحو ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر والظاهر أنها في المثال متضمنة لنفي الحكم السابق عن اللاحق أيضا ولا حاجة فيه إلى الاضمار بخلاف المثالين الأخيرين فإن مفادها فيهما مجرد الاستدراك فينقسم إلى قسمين و قد تأتي بمعنى غير فتقع صفة
(١٨٨)