الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٧٦
دلالة بالقرينة لظهور أن أحدا لا يملك عبيد الدنيا ورده التفتازاني و غيره بأن معنى العموم جميع عبيده لا غير كما في قولنا له عندي العبيد ولا قرينة على نفي ذلك وهو جيد حجة القول بأنه للعموم وجوه الأول أن الجمع حقيقة في كل مرتبة من مراتبه فلو حمل على الجميع فقد حمل على جميع حقائقه فكان أولى وأجيب عنه أولا بالنقض بالمفرد المنكر فإنه حقيقة في كل واحد على البدل ولا يوجب ذلك حمله على الجميع وهذا الجواب إنما يستقيم إذا كان مقصود المستدل حمله على جميع مراتبه على أن يكون كل مرتبة بخصوصها مرادة منه بالمطابقة فيكون موضوعا بالوضع العام لخصوصيات المراتب وهذا وإن كان بظاهر كلامه أوفق إلا أنه في نفسه بعيد بل ربما كان راجعا إلى القول بأن المشترك وما في حكمه عند الاطلاق ظاهر في جميع معانيه وأما إذا كان المقصود حمله على جميع الافراد المشتملة على جميع حقائقه تضمنا فالنقض المذكور منقوض بأن بينهما فرقا من حيث إن جميع الافراد ليس بأحد الآحاد التي يصدق عليها المفرد المنكر على البدل بخلاف الجمع المنكر فإنه حقيقة في الجميع أيضا وهو يشتمل على جميع حقائقه فيكون الحمل عليه أولى وعلى هذا فقوله فقد حمل على جميع حقائقه معناه فقد حمل على معنى يتضمن جميع حقائقه وثانيا بأن الجمع ليس حقيقة في كل مرتبة من المراتب بل في القدر المشترك بينها فلا يكون له دلالة على خصوص شئ منها وهذا الجواب قد اختاره العضدي واعترض عليه التفتازاني بأن كل مرتبة من المراتب فهي من أفراد القدر المشترك فيكون الجمع حقيقة فيها من حيث كونها من أفراد الموضوع له ولا حاجة إلى الدلالة عليها بخصوصها كما إذا جاءك زيد وقلت جاءني إنسان وهذا الاعتراض لا يخلو من ضعف لان كلام المستدل ظاهر في أن الجمع حقيقة في كل مرتبة بخصوصها وأنه لو حمل حينئذ على العموم فقد حمل على جميع ما هو حقيقة فيه بخصوصه فيندفع بالجواب المذكور ومبنى الاعتراض على أن المراد كونه حقيقة في كل مرتبة ولو من حيث القدر المشترك وهذا بعيد عن ظاهر كلام المستدل نعم على تقديره لا يتجه الجواب المذكور لكن نظر المجيب إلى ظاهر الدليل هذا وللمستدل أن يتمسك بالأولوية المذكورة على تقدير أن يكون الجمع للقدر المشترك أيضا فيجعلها قرينة على كونه مأخوذا باعتبار الفرد الأعم وهو الجميع فالتحقيق في الجواب منع الأولوية المذكورة لان مرجعها إلى الاستحسان ولا تعويل عليه على ما سبق و اعلم أن ما ذكره المستدل من أن الجمع حقيقة في كل مرتبة من مراتبه يحتمل بظاهره وجهين الأول أن الجمع موضوع للحقيقة باعتبار كونها متحدة بمرتبة من المراتب الكلية لا على التعيين فيكون بحكم المفرد المنكر في كونه حقيقة في كل مرتبة من المراتب لا على التعيين لكن يأبى عن هذا ظاهر قوله فقد حمل على جميع حقائقه إذ لا يكون للجمع على التقدير المذكور إلا حقيقة واحدة فإنه لا يزيد حينئذ مفاده باعتبار الهيئة على مفهوم التقييد الملحوظ به حال الطبيعة والمراتب وظاهر أنه مفهوم واحد كمفهوم مادته وإن تغاير قيوده المعتبرة على وجه البدلية لخروجها عنه كخروج لحاظ حال الغير به عن مدلوله وإن اعتبر فيه تحقيقا للحرفية فإن ذات الحصة أعني الماهية المضافة متحدة في مواردها وإن تعدد إضافاتها وقيودها ولا ينافي ذلك جزئيتها حيث تضاف إلى الجزئي ومثله الكلام في المجموع على ما اخترناه إلا أن القيود المعتبرة فيه عندنا مصاديق المراتب وعلى القيود المذكور نفس المراتب ومنه يظهر الحال في المفرد المنكر والمثنى أيضا ويمكن أن يجعل تعدد حقائقه باعتبار تعدد موارد إطلاقه فلا ينافي الوجه المذكور الثاني أنه موضوع باعتبار الهيئة بالوضع العام بإزاء كل واحدة من المراتب بالخصوص كوضع أسماء الإشارة بالنسبة إلى آحاد مفهوم المشار إليه فيكون بحكمها في كونه حقيقة في كل مرتبة على التعيين فيتحقق له حقائق كاسم الإشارة وكل من الوجهين لا وجه له أما الأول فلانه لو كان مدلول الجمع ما ذكر فيه لصح أكرم كل مسلمين مريدا به العموم بحسب المراتب كما يقال أكرم كل مسلم ويراد به العموم بحسب الافراد وبطلان التالي قاص ببطلان المقدم وأما الثاني فلانه لو كان ذلك معنى الجمع لما تناول قولنا أكرم كل رجال الافراد ما زاد على مرتبة واحدة وفساد الثاني يقضي أيضا بفساد الأول بل الحق أنه إما موضوع للقدر المشترك بين المراتب كما يراه العضدي وغيره أو لخصوص مصداق من مصاديق ما فوق الاثنين كما حققناه والفرق بين هذا المعنى والمعنى المذكور في الوجه الأول مما لا يكاد يخفى لان معنى الجمع على الوجه الأول كلي فإن مفهوم الرجل المقيد بمفهوم الثلاثة والأربعة فما فوقها قدر مشترك بين أفراد كثيرة صادق على موارد عديدة كمفهومه المقيد بمفهوم الواحد أو الاثنين عند من يرى ذلك معنى المفرد المنكر و المثنى بخلافه على الوجه المختار فإن الطبيعة المتحدة بالمصداق أو المصاديق لا تكون إلا جزئية واعلم أنه يظهر من صاحب المعالم أنه نزل مقالة المستدل في الجمع على اشتراكه بين المراتب اشتراكا لفظيا ورده بعد المنع من الاشتراك بأن استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد مجاز فلا يصار إليه عند عدم القرينة ولا خفاء في بعد التنزيل المذكور لاستلزامه القول باشتراك صيغ الجمع بين معان غير متناهية وكونها موضوعة بأوضاع غير متناهية وهو واضح الفساد جدا ولو ثبت مثل هذا القول لادى غرابته إلى اشتهار نقله مع أن أحدا لم ينبه عليه وأما ما أورده عليه من كونه مجازا فمبني على مختاره من أن الاستعمال المذكور مجاز في المفرد فإن الاشتراك هنا في أداة الجمع وهي من المفردات وقد عرفت في محله أن المختار عندنا المنع من ذلك مطلقا الثاني أنه لو لم يكن للعموم لكان مختصا بالبعض وهو باطل لأنه تخصيص من غير مخصص و الجواب أما أولا فبالنقض بالمفرد المنكر فإنه ليس للعموم قولا واحدا فيكون مختصا بالبعض ويلزم الفساد المذكور وأما ثانيا فبالحل وهو أنه لا يلزم من عدم اعتبار قيد وهو العموم اعتبار عدمه وهو الخصوص حتى يلزم التخصيص من غير مخصص بل هو إما للقدر المشترك بين العموم والخصوص فيكون صالحا لكل منهما من غير اختصاص له بأحدهما أو للطبيعة المقيدة بأحد المصاديق
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»