الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٧٩
المطلقة بالنسبة إلى أفراد مفهومها المطلق وفي النكرة المقيدة بالنسبة إلى أفراد مفهومها المقيد فقولك ما جاءني رجل يقتضي العموم بالنسبة إلى جميع أفراد الرجل وقولك ما جاءني رجل عالم أو لا رجل عالما في الدار يقتضي العموم بالنسبة إلى أفراد الرجل العالم لا مطلق الرجل وليس هذا عندي من باب التخصيص بل من باب التقييد لان السلب إنما يسلط على المقيد بعد أخذه مقيدا وعلى هذا فإذا قيل ليس في الدار رجل فإن أريد به فرد لا بشرط كما هو معناه الأصلي كان تعلق السلب به مستلزما لسلب جميع ما يصدق عليه هذا المفهوم وهو جميع الافراد وامتنع قولك بل رجلان أو بل رجال لأنهما يشتملان على فرد لا بشرط فنفيه بلا وإثباته ببل تناقض وإن أريد به فرد بشرط لا أي بشرط عدم الزيادة كان تعلق السلب به مستلزما لنفي كل فرد بشرط لا لا مطلق الفرد لما عرفت من أن عموم النكرة المنفية على حسب إطلاقها وتقييدها فإذا كان المنفي مقيدا بشرط لا فلا جرم يكون العموم على حسبه وصح حينئذ قولك بل رجلان أو بل رجال ولا تناقض لأنهما لا يشتملان على مدلول فرد بشرط عدم الزيادة بل بشرطها فظهر أن النكرة في سياق النفي نص في العموم مطلقا من غير فرق بين أدواته ومواردها وبطل فرقهم بين لا النافية للجنس وبين باقي أدوات السلب إذا دخلت على غير الألفاظ المذكورة حيث جعلوا الأول نصا في العموم كغيره من أدوات السلب الداخلة على الألفاظ المذكورة والثاني ظاهرا فيه مستندين فيه بامتناع عطف المثنى والجمع ببل على الأول دون الثاني وذلك لأنهم إن أرادوا أن مدلول المنفي عند العطف فرد لا بشرط فهو خطاب ظاهر مما بينا وإن أرادوا أن مدلوله فرد بشرط لا فإن أرادوا أنه حينئذ لا يقتضي العموم بالنسبة إلى كل ما يصدق عليه أنه فرد بشرط لا فمخالف لما يشهد به صريح العرف بل العقل أيضا فإن فردا بشرط لا مأخوذ لا بشرط فنفيه يقتضي نفي جميع آحاده وإن أرادوا أنه لا يقتضيه بالنسبة إلى مطلق أفراد الرجل ففيه أن المنفي حينئذ ليس المطلق بل المقيد وعموم النكرة المنفية ليس على الاطلاق بل على حسب إطلاق مفهومها وتقييده من غير فرق بين النافية للجنس وما بمعناها وبين غيرها نعم فرق بينهما باعتبار آخر وهو أن التي لنفي الجنس لا تدل إلا على الجنس دون الفرد سواء اعتبر لا بشرط أو بشرط لا ومن هنا امتنع عطف المثنى والمجموع عليها ببل لان ذلك إنما يصح إذا كان المنفي فردا بشرط لا وأما غيرها فيصلح لنفي الجنس والفرد بالاعتبارين فيصح أن يعطف عليها بالمذكور فالوجه أن يحمل كلامهم على أن التي لنفي الجنس وما بمعناها صريحة في عموم النفي بالنسبة إلى أفراد مدخولها وما عداها ظاهر فيه وإن كان صريحا في العموم في الجملة ثم إنهم خصوا حكم الوقوع في سياق النفي بالنكرة مع أن كثيرا من المعارف أيضا يفيد العموم في سياق النفي كالموصول في قولك لا تهن من يكرمك والجمع المعرف في قولك لا تهن العلماء ونحو ذلك فنقول ليس المقصود تخصيص الحكم المذكور بالنكرة حتى يلزم منه أن لا يكون مثل هذه المعرفة في سياق النفي للعموم كيف وقد حكموا بأنها للعموم من غير تخصيص لها بسياق الاثبات بل المقصود أن إفادة النكرة للعموم يختص بما إذا وقعت في سياق النفي حتى إنها إذا وقعت في سياق الاثبات لم يفده وضعا بشهادة العرف والاستعمال وأما احتجاج بعض المعاصرين عليه بعدم صحة الاستثناء منه مطردا فضعيف لان الاستثناء إنما يطرد فيما لولاه لوجب دخوله كما في العام الشمولي فلا فيما لولاه لجاز دخوله كما في العام البدلي وإن أراد بمجرد الجواز فعدم اطراده مطلقا حتى إذا وقع في سياق النشاء ممنوع نعم ينبغي أن يفسر النكرة في العنوان بما يكون نكرة بحسب المعنى أعني ما دل على الطبيعة المجردة أو المأخوذة باعتبار كونها متحدة مع فرد لا على التعيين فيخرج مثل كل في قولك ما رأيت كل رجل فإن مدلوله المقيد بالرجل معنى معين لا يقبل الابهام والاشتراك و يدخل فيه العهد الذهني والعلم الجنسي إذا أخذ باعتبار فرد لا بعينه والمضاف إلى أحدهما فإن وقوعها في سياق النفي يوجب العموم فإن المفهوم من قولك لا ندخل السوق ولا تدن من أسامة ونحو ذلك هو العموم وبهذا التوجيه يستقيم حصرهم صيغ العموم فيما مر بالنسبة إلى ذلك وكذا الحال في المعرف بلام الجنس فإنه إذا وقع في سياق النفي دل على العموم أيضا نحو لا توجد القتل ولا تفعل الزنا و لا تصنع الظلم ونحو ذلك فإنه لا يصدق نفي جنس إلا بنفي جميع أفراده ويلحق بالنفي النهي لأنه طلبه فيشتمل عليه و الاستفهام الانكاري لرجوعه إلى النفي وكذلك نحو كف واحذر و اجتنب مما يفيد مفاد النفي وقد يلحق به الشرط أيضا وهو حسن إن أفاد العموم كمتى ومهما فإنهما كما يفيدان عموم الأزمان كذلك يفيدان عموم ما يقع في سياقهما من فعل الشرط وتوابعه فقولنا متى جاءك رجل فأكرمه يتناول جميع أفراد المجئ والرجل ولا يبعد تعميم الحكم إلى وقوع النكرة في سياق سائر ألفاظ العموم فإنها تعم أفرادها تبعا لعموم العام لافراده ولا فرق فيما مر بين تعلق السلب وشبهه بالنكرة أو بما تعلق بها ولو بواسطة أو وسائط فيدخل مثل لفظ فاسق في قولك لا تكرم عالما تراه جليسا لفاسق ثم الجمع المنكر إذا وقع في سياق النفي وشبهه كان حكمه حكم المفرد فيفيد العموم بحسب الجماعات دون الافراد وكذلك المثنى ولهذا قيل عموم المفرد في النفي أشمل من عموم المثنى وعمومه أشمل من عموم الجمع وذلك لان السلب الوارد على المفرد ظاهر أو نص في نفي الآحاد المستلزم لنفي المثنى والجمع بخلاف نفي الجمع فإنه لا يستلزم نفي المفرد والمثنى وبخلاف نفي المثنى فإنه لا يستلزم نفي المفرد ويستلزم بظاهره نفي الجمع كالمفرد فصل اختلفوا في أن الألفاظ التي وضعت للخطاب كيا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا هل يكون خطابا لغير الموجودين ويعمهم بصيغته أو لا ذهبت الحنابلة على ما حكي عنهم إلى الأول والمعروف بين أصحابنا هو الثاني وعليه أكثر أهل الخلاف والمراد بغير الموجودين غير الموجودين في زمن الخطاب كما هو الظاهر وربما فسر بغير الموجودين في مهابط الوحي وله وجه إلا أن ظاهر اللفظ المذكور و الأدلة الآتية لهم لا تساعد عليه ولنحرر أولا محل البحث فنقول نزاعهم في المقام يحتمل وجوها الأول أن يكون في جواز تعلق الخطاب بمعناه الحقيقي بالمعدومين
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»