الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٧١
إلا أن المفرد لما كان مدلوله الجنس من غير اعتبار زائد كان صالحا لان يؤخذ بهذا الاعتبار ويشار إليه باللام وأن يؤخذ باعتبار تحقيقه في ضمن جميع الافراد أو بعض معين منها ويشار إليه بها على ما سبق تفصيله ومدلول الجمع على ما عرفت هو الجنس باعتبار تحققه فيما زاد على الفردين فاللام فيه للإشارة إلى الجنس المأخوذ بهذا الاعتبار وحيث إن الجنس المأخوذ بالاعتبار المذكور عين الافراد صح ما ذكرناه سابقا من أن اللام في الجمع للإشارة إلى الافراد و أما إفادته للاستغراق فمبني على ما عرفته من أن الإشارة تستدعي تعين المشار إليه عند المتكلم عقلا وعند المخاطب وضعا أو ظهورا إطلاقيا وعند عدم القرينة لا يكون شئ من مراتب الجمع متعينا عند السامع إلا الجميع فإشارة المتكلم حينئذ دليل على إرادة ما هو المتعين عند السامع أعني الجميع دون غيره ومن هذا التحقيق يظهر أنه لا فرق بين استغراق المفرد المعرف وبين استغراق الجمع المعرف معنى حيث إن اللام فيهما للإشارة إلى الجنس المأخوذ باعتبار تحققه في ضمن جميع الافراد وكون الجنس مأخوذا في الأول في أظهر وجهيه باعتبار تعينه الجنسي وفي الثاني باعتبار تعينه الافرادي لا يوجب الفرق بين الاستغراقين وإنما يوجب الفرق بين المعنيين وكذا كون الاستغراق في الأول أفراديا وفي الثاني صالحا له ولغيره لا يوجب الفرق بينهما في نفس الاستغراق بل في كيفيته و إن افترقا لفظا من حيث إن الجمع يدل على كون الجنس ملحوظا في ضمن الافراد بواسطة جزئه وهو الأداة وليس في المفرد ما يدل على ذلك وإنما يستفاد اعتبار المتكلم إياه من أمر خارج ومن هذا البيان يظهر فساد ما زعمه من أن حمل العموم في الجمع على العموم الافرادي يوجب انسلاخ معنى الجمعية وإبطالها كيف ولو صح ما ذكره لصح إطلاق الجمع حينئذ على الواحد والاثنين كصحة إطلاقه على ما زاد إذ المانع من ذلك قبل دخول اللام إنما هو معنى الجمعية المعتبرة في مدلول الصيغة وقد بطلت ولم يحدث بعده مانع آخر و هو مما لا يلتزم به أحد وزعم المحقق الشريف أن الجمع لما دل على الجنس مع الجمعية فلو أجري حالة الاستغراق على قياس المفرد كان معناه كل جماعة فيلزم التكرار في مفهومه لان الثلاثة مثلا إحدى الجماعات فيندرج فيها بنفسها وجز من الأربعة فما زاد حتى المجموع فيندرج في ضمن كل مرتبة وكذلك سائر الجماعات فيكون مدلوله تكرارا محضا قال ولهذا يرى الأئمة يفسرون الجمع المستغرق تارة بكل واحد واحد وهو الغالب فيكون كالمفرد في استغراقه كأنه قد بطل منه معنى الجمعية فصار للجنسية و تارة بالمجموع من حيث المجموع كما في قولك للرجال عندي درهم حيث حكموا بأنه إقرار بدرهم واحد للكل هذا ملخص كلامه و ضعفه ظاهر إذ غاية ما يلزم من اعتبار عموم الجمع بحسب الجماعات أن يكون قول القائل أكرم العلماء بمنزلة قوله أكرم كل جماعة منهم أو أكرم كل علماء فكما لا تكرار في الثاني بحكم العرف واللغة فكذا ما هو بمنزلته وتحقيقه أن التكرار إنما يلزم هناك على تقدير الجمود على ما يقتضيه اللفظان بحسب أصل الوضع لكن لا يتعلق القصد به في الاستعمال كذلك بل يراد غير التكرار ويلغى صور التكرار إما بقرينة عدم الفائدة في اعتبارها أو لغير ذلك ثم ما توهمه من أن تفسيرهم للجمع المعرف بمعنى كل فرد يوجب سلخ معنى الجمعية منه مردود بما عرفت آنفا بما لا مزيد عليه بقي الكلام في أن عموم الجمع المعرف مجموعي أو أفرادي فنقول الذي يقتضيه الأصل هو الأول لان مدلول الجمع مجموع الآحاد لا كل واحد واحد وليس مفاد اللام الداخلة عليه إلا الإشارة إلى تلك الافراد والظاهر من تعلق حكم أو نسبة بما يدل على المجموع تعلقه به من حيث المجموع فقول القائل جئني بالعلماء بمنزلة قوله جئني بهذه الجملة فقولهم في الصورة المذكورة إقرار للكل بدرهم واحد جار على الأصل هذا إذا لم ينصب قرينة على اعتبار تعلق الحكم بالمجموع من حيث الآحاد وإن نصبت عليه قرينة كما هو المستفاد غالبا من الحكم المتعلق به كان للعموم الافرادي وأمثلة كثيرة فصل اختلفوا في أن المفرد المعرف هل يفيد العموم عند عدم العهد أو لا فذهب إلى كل فريق والظاهر أن حكم المثنى المعرف حكم المفرد في ذلك فيمكن أن يفسر المفرد هنا بما يقابل المجموع فيتناوله احتج الأولون بوجهين الأول جواز وصفه بالجمع على ما حكاه بعضهم من قولهم أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر وهذا ضعيف لان الاستعمال المذكور شاذ نادر لاختصاص البعض بنقله في خصوص الموردين فيمكن القدح في صحته أو ثبوته ولو سلم فهو مقصور على مورد السماع فلا يثبت المقصود في غيره ومع ذلك فهو إرادة بالقرينة فلا يثبت عند عدمها على أنه معارض باستعمالهم له في الجنس في مثل قولهم الرجل خير من المرأة وهو مطرد في الحدود والتمسك بأحد الاستعمالين ليس بأولى من التمسك بالآخر و أجيب أيضا بالمنع من دلالته على العموم لان مدلول العام كل فرد و مدلول الجمع مجموع الافراد وبينهما بون بعيد واعترض عليه الفاضل المعاصر تبعا لصاحب المعالم بأنه مبني على أن لا يكون عموم الجمع أفراديا كعموم المفرد وهو خلاف التحقيق وضعفه ظاهر لان مدلول المفرد المعرف على تقدير إفادته للعموم كل فرد ومدلول الجمع مجموع الافراد على ما مر بيانه لا كل فرد فيمتنع أن يوصف أحدهما بالآخر ولا ينافي ذلك ما قررناه من أن عموم الجمع في الغالب أفرادي لا مجموعي لان ذلك بحسب تعلق الحكم بمدلوله لا باعتبار نفس مدلوله والوصف إنما يكون باعتبار نفس المدلول لا باعتبار تعلق الحكم به وهذا واضح نعم يبقى الكلام في تعلق الجواب المذكور بدفع الدليل فيمكن تنزيله على منع صغرى الدليل من جواز وصفه بالجمع فيرجع إلى المنع من صحة ما تمسك به عليه من المثالين أو منع ثبوته أو اطراده لما مر من المنافرة أو بمنع كبراه من كون الموصوف بالجمع عاما أفراديا بل مجموعيا لما مر وهو غير موضع النزاع الثاني صحة الاستثناء منه كما في قوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وأجاب عنه بعضهم بأنه مجاز لعدم الاطراد وأورد عليه بعض المتأخرين بأنه لا مجال لانكار إفادة المفرد المعرف العموم في بعض الموارد حقيقة كيف ودلالة أداة التعريف على الاستغراق حقيقة وكونه أحد معانيها مما لا يظهر فيه خلاف
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»