في العموم كمعرفه باللام وهذا مما لا خفاء فيه بعد ملاحظة موارد إطلاقه وإنما الاشكال في منشأ هذا الظهور ولعل السر في ذلك كون الإضافة بحسب الأصل مقتضية لان يكون المراد بالمضاف الشئ المعهود عند المخاطب بالإضافة باعتبار كونه معهودا عنده بها لأنها موضوعة لنسبة المضاف إلى ما أضيف إليه باعتبار كونه متعينا عند المخاطب بتلك النسبة وإلى هذا أشار بعض محققي النحاة حيث قال تعريف الإضافة باعتبار العهد فلا تقول جاءني غلام زيد إلا لغلام معهود بينك وبين المخاطب قال نجم الأئمة هذا أصل وضع الإضافة لكنه قد يقال جاءني غلام زيد من غير إشارة إلى معين كالمعرف باللام وهو خلاف وضع الإضافة لكنه كثير في الكلام وحينئذ فحيث لا يكون قرينة توجب تعيين البعض يتعين الحمل على الجميع لتعينه عند المخاطب بخلاف ما دونه من المراتب لتردده بين الجملة فكما عرفت في المبحث المتقدم هذا إذا كان الجمع مضافا إلى المعرف كعلماء البلد ورجال الدار وأما إذا كان مضافا إلى النكرة كرجال دار وعلماء بلد فيحتاج إلى مزيد توجيه وذلك بأن يقال إضافة الجمع إلى النكرة لما لم توجب التعيين من حيث ما أضيف إليه نظرا إلى إبهامها بهذا الاعتبار وإن أوجب التخصيص فلو لم يعتبر المضاف أعني الجمع حينئذ باعتبار الجميع بل باعتبار بعض غير معين ازداد فيه الابهام المنافي لوضع الإضافة ولو اعتبر من حيث المجموع قل نظرا إلى كون الابهام فيه حينئذ من حيث ما أضيف إليه فقط وهو أقرب بالنسبة إلى أصلها فيكون بحكم أقرب المجازات في وجوب الحمل عليه عند تعذر الحقيقة وأما المفرد المضاف فالحق أنه لا يفيد العموم بنفسه مطلقا كما يظهر بالتصفح في موارد استعماله لا يقال يمكن التمسك في إثبات عمومه بالبيان المتقدم في الجمع وتوجيهه أن يقال ليس المراد بالمضاف الطبيعة من حيث هي لما مر بل من حيث الفرد فحيث لا قرينة على إرادة البعض يتعين الحمل على الجميع لئلا يلزم الترجيح من غير مرجح أو الخروج عما يقتضيه أصل الإضافة لأنا نقول الظاهر من تعريف المفرد بالإضافة عند عدم العهد تعريفه باعتبار الجنس أو التميز في الذهن فمعنى غلام زيد هذه الطبيعة الخاصة من الغلام فلا يجري فيه الوجه المذكور والفرق بينه وبين الجمع أن مدلول الجمع الافراد ولا تعيين لشئ من مراتبها لدى السامع عند عدم العهد إلا الجميع بخلاف المفرد فإن مدلوله الماهية والجنس فيمكن اعتبار التعيين فيه بحسب مدلوله الجنسي أو حضوره الذهني كما في المفرد المعرف باللام أو الصنفي كما في المقام أو الشخصي كما في العهد ولا يشكل ذلك باستلزامه تعريف المضاف إلى المنكر لان التعيين بالمنكر لا يفيد كمال التعيين المعتبر في التعريف وإن أفاد التخصيص واعلم أن بعض الأصوليين صرح في بعض مباحث الامر بأن المصدر المضاف يفيد العموم وأثبت به عموم الامر في قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره واستشهد عليه بصحة الاستثناء منه في الآية والحق أن المصدر المضاف كغيره من المفردات المضافة مما لا إشعار له بالعموم بنفسه فإن قولنا أعجبني ضرب زيد مما لا دلالة له على إعجاب كل ضرب صدر منه وأما الامر في الآية فهو مفيد للعموم لا لما ذكروه بل لوقوعه في سياق ما هو في معنى النهي كما مر التنبيه عليه في محله فصل الأكثر على أن الجمع المنكر لا يفيد العموم وقيل بل يفيده وعن الشيخ أنه يفيده نظرا إلى الحكمة ولا فرق في موضع النزاع بين أنواع الجمع ولا بين المنون منه وغيره نعم ينبغي أن يراد به ما عدا المضاف لما مر من إفادته العموم والحق عندي ما ذهب إليه الأكثرون لنا أن الجمع بحكم التبادر موضوع للماهية الملحوظة باعتبار كونها متحدة مع ما زاد على الفردين والماهية المأخوذة بهذا الاعتبار صالحة للصدق على كل جملة من الافراد حتى الجميع فإذا دخل عليه التنوين وهي ظاهرة في النكارة التي مفادها مصداق من مصاديق ما دخلت عليه لا بعينه كان مدلوله أحد تلك المصاديق لا على التعيين فيتردد بين الجميع وما دونه من المراتب مما فوق الاثنين فلا يختص بالجميع والظاهر أن لا نزاع في صلوحه للجميع على البدلية وإن كان منونا قال العلامة التفتازاني لا نزاع في أن الجمع المنكر صالح للجميع من حيث إنه أحد أفراد الموضوع له للقطع بأن جميع الرجال رجال على الحقيقة وإنما النزاع في كونه ظاهرا في العموم على حد سائر الصيغ هذا ثم عندي على صلوح الجمع المنون لجميع الافراد وعلى لحوق التنكير به إشكالان ينبغي التعرض لهما ولدفعهما تنقيحا للمرام وتحقيقا للمقام الأول أن قضية كون أداة الجمع حرفا وكون الحروف بأسرها موضوعة بالوضع العام لمعان خاصة على ما تحقق في أوائل الكتاب أن يكون مدلول الجمع خصوص مرتبة من المراتب التي فوق الاثنين دون القدر المشترك بينهما لأنه كلي فينافي وضع الحرف فلحوق التنوين به يوجب طريان النكارة عليه بحسب مصاديق المرتبة التي استعمل فيها الجمع وظاهر أن هذا لا يتحقق في حق الجميع إذ لا تعدد في مصاديقه الثاني أن التنكير لا يخلو إما أن يكون لاحقا لما عرضت عليه وصف الجمعية أو لنفس الوصف والأول يوجب التدافع بين مفاد التنوين الدالة على الوحدة الفردية ومفاد الجمعية الدالة على التعدد والثاني باطل لما سبق التنبيه عليه من أن الجمعية المفهومة من الجمع معنى آلي وأنها غير ملحوظة لنفسها بل لملاحظة حال ما تعلقت به بدليل أن الدال عليها حرف أو ما بحكمه بالاتفاق ومعاني الحروف مما يمتنع وصفها بوصف أو تقييدها بقيد لان كلا من الوصف والتقييد في قوة الحكم يستدعي كون الموصوف والمقيد متصورا لنفسه ملحوظا في ذاته وإلى هذا ينظر ما يقال من عدم جواز دخول الحرف على الحرف إذ ليس المراد دخوله عليه لفظا فإن جوازه من الأمور الجلية التي لا يعتريها وصمة الانكار بل المراد دخوله عليه معنى على حد دخوله على الاسم والفعل ووجهه أن الحروف حيث كانت موضوعة لمعان آلية ملحوظ بها أحوال ما دخلت عليه وارتبطت به فلا جرم كان مدخولها معان مستقلة بالذات ملحوظة في نفسها فإن ما يلاحظ لغيره يستدعي كون الغير ملحوظا لنفسه بالضرورة والسر فيه أن وجود معنى الحرف في الذهن وجود عرضي فيمتنع قيامه بمثله للزوم قيام المعنى بالمعنى وهو محال وتعلقه بشئ عبارة عن قيام لحاظه به فلا يتعلق بمثله وأما
(١٧٤)