إلا أن وقوعه غير ثابت هذا وحكى المحقق الشيرازي عن العلامة عن الفتوحات المكية أن مؤلفها قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله في بعض الوقائع فسألته عن أقل مراتب الجمع وقلت ذهب فريق إلى أنه ثلاثة وفريق إلى أنه اثنان فما الحق فقال صلى الله عليه وآله أخطأ هؤلاء وهؤلاء بل ينبغي أن يفصل ويقال الجمع إما جمع فرد أو جمع زوج فأقل مراتب الأول ثلاثة وأقل مراتب الثاني اثنان ومثل له بعضهم بالخفين فإنه يطلق على زوجين من جنس الخف وجمعه خفاف ولا يطلق على ثلاثة أفراد من هذا الجنس وهو محل نظر إذا تمهد هذا فلنا على عدم كونه حقيقة فيما دون الثلاثة عدم تبادره و تبادر غيره وقد سبق أن ذلك يقتضي أن لا يكون حقيقة فيه وإذا ثبت ذلك عرفا ثبت شرعا ولغة لأصالة عدم النقل وعلى جواز إطلاقه على الواحد والاثنين مجازا وجود العلاقة المصححة له كالتعظيم تنزيلا لغير الجماعة منزلتها أو لنحو ذلك وقد قيل في قوله تعالى وإنا له لحافظون إن المراد به هو الله تعالى وحده تعظيما حيث جرت عادة العظماء أن يتكلموا عنهم وعن أتباعهم بصيغة التكلم و الجمع ثم استعيرت منه للعظمة وجردت عن معنى الجمعية ويمكن أن يكون المراد به هو تعالى مع الملائكة الحفظة بأمره وقد فسر الناس بعض الناس في قوله تعالى الذين قال لهم الناس بنعيم بن مسعود مدعيا وفاق المفسرين عليه وهو اسم جمع وفسر الموصول في قوله تعالى والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون بأمير المؤمنين علي عليه السلام كما نطق به جملة من الاخبار وغير ذلك احتج القائلون بأنه حقيقة في الاثنين بوجوه منها قوله تعالى فإن كان له إخوة والمراد ما يتناول الأخوين للاجماع على حجبهما ومنها قوله تعالى إنا معكم مستمعون والمراد بضمير الخطاب موسى وهارون ومنها قوله صلى الله عليه وآله الاثنان فما فوقها جماعة والجواب أما عن الأول فبأن الاجماع إنما قام على حجب الأخوين لا على كونه مستفادا من الآية سلمنا لكنه مجرد استعمال وهو لا يوجب الحقيقة لثبوت استعماله فيما فوق الاثنين أيضا و الاشتراك على خلاف الأصل كما حققناه وسابقا ولو سلم أنه على الأصل فقد بينا ما يوجب الخروج عنه وأما عن الثاني فبالمنع من إرادتهما فقط بل مع فرعون مضافا إلى ما سبق في الآية السابقة وأما عن الثالث فبأن المراد أن صلاة الاثنين فما فوقها صلاة جماعة فيقدر طرفا الاسناد أو أنها بحكم الجماعة في انعقاد الجماعة والفضيلة كما ورد المؤمن وحده جماعة إذا لم يكن من يصلي معه وذلك لان شأن الشارع بيان الأحكام الشرعية لا بيان موضوعات اللغة وقد يجاب أيضا بأنه خارج عن محل النزاع لان الكلام في صيغة الجمع لا في لفظه وكأنه ناظر إلى إجماع المنتهى أو يريد به معناه المصدري والحق أن لفظ الجمع والجماعة بمعناهما الاسمي حقيقة أيضا فيما فوق الاثنين كالصيغة بدليل تبادرهما منهما وعدم تبادر ما دونهما على ما يظهر من العرف احتج القائلون بالمنع مطلقا بما نقل عن ابن عباس من أن الأخوين ليسا بإخوة وأنه لو صح الاستعمال في الاثنين لجاز جاءني رجلان عالمون ورجال عالمان إذا أريد عالمان ورجلان وأجيب عن الأول بأنه معارض بقول زيد الاخوان إخوة فالوجه أن يجمع بينهما بحمل كلام النافي على نفي كونه حقيقة وحمل كلام المثبت على كونهما مرادين منه مجازا و عن الثاني بمنع الملازمة لأنهم ربما راعوا في ذلك صورة اللفظ و استبعده العضدي بما حاصله أنه لو كان الوجه مراعاة الصورة لجاز جاءني زيد وعمرو العالمون نظرا إلى انتفاء الصورة ورده التفتازاني و غيره بأن مقصود المجيب مراعاة الصورة أعم من أن يكون حقيقة كما في التثنية أو حكمية كما في العطف والأظهر على ما اخترناه من إثبات الجواز في الجملة أن يجاب بأن ثبوت المنع في صورة مخصوصة لا يوجب ثبوته مطلقا كيف وقد بينا وقوعه في بعض الموارد الموجب لجوازه فيها والسر في ذلك أن جوازه يتبع العلاقة و هي غير مطردة في جميع الموارد تنبيه قد اشتهر بين النحاة أن أقل جمع القلة ثلاثة إلى العشرة وأقل جمع الكثرة ما فوق العشرة إلى ما لا حصر له وربما يحكى وفاقهم عليه وهو ضعيف إذ صريح العرف قاض بعدم الفرق وربما يظهر من عدم تعرض علماء الأصول لذلك إطباقهم على فساده و يمكن الجمع بأن كلام النحاة ناظر إلى أصل اللغة والجمع فيها على التفصيل المذكور وكلام الأصوليين ناظر إلى العرف وهم لا يفرقون بينهما لكن التزام مخالفة العرف للغة في مثل ذلك لا يخلو عن بعد ثم اعلم أن أهل الميزان كثيرا ما يطلقون الجمع ويريدون به ما فوق الواحد وهل هو منقول في عرفهم إلى ذلك أو مجاز مشهور وجهان أظهرهما الأول وهو المعروف بين أهل العلم فصل لا ريب في أن النكرة في سياق النفي تقتضي العموم بمعنى أن النفي أو الحكم المنفي يتعلق بكل فرد فرد من آحاد مفهومها فتارة بالنصوصية وذلك إذا كان النفي بلا التي لنفي الجنس كما في قولك لا رجل في الدار أو كانت مقرونة بمن ظاهرة نحو وما من دابة أو مقدرة نحو ولا رطب ولا يابس وكذلك شئ وبد واحد و نظائرها إذا وقعت في سياق النفي مطلقا كقولك ما شئ عندي وليس أحد في الدار وليس بد من هذا الامر وتارة بالظهور كما إذا وقعت النكرة مما عدا المذكورات اسما ليس أو ماء يشابهها من ما ولا النافيين كقولك ليس رجل أو لا رجل أو ما رجل في الدار وإنما جعلنا عمومها من باب الظهور دون النصوصية لأنها كما تأتي لعموم النفي كما هو الظاهر الغالب كذلك قد تأتي لنفي فرد واحد دون ما زاد عليه فيقال ما في الدار رجل بل رجلان أو رجال بخلاف القسم الأول فإنه لا يصح أن يقال لا رجل أو ما من رجل في الدار بل رجلان أو ليس فيهما أحد بل اثنان وهكذا وما يتوهم من أن جواز الاستثناء منها ينافي نصوصيتها في العموم فمع عدم جريانه على الوجه الذي نختاره في الاستثناء مدفوع بأن المراد بكونه نصا في العموم تمحضه له بحسب الوضع وإن جاز أن يستعمل في غيره مجازا عنه بخلاف المنفي في القسم الثاني فإنه بحسب الوضع لا يتمحض للعموم هذا تحقيق ما ذكروه ونحن نقول لا ريب في أن النكرة في سياق النفي إنما تقتضي العموم على حسب إطلاقها وتقييدها فالعموم في النكرة
(١٧٨)