فالكلام حينئذ إنما هو في دلالته على العموم مطلقا بحيث لو استعمل في غيره لكان مجازا على حد سائر صيغ العموم التي هذا شأنها و من البين أن هذه الحجة يعني وقوع الاستثناء منه في الآية لا ينهض بإثبات ذلك بل إنما يثبت المعنى الذي لا نزاع فيه هذا كلامه ونحن نقول قد عرفت بما حققنا سابقا أن مفاد اللام في المفرد وغيره ليس إلا الإشارة إلى مدلول مدخولها مأخوذا بتعين لاحق له فمفادها في المفرد الإشارة إلى الحقيقة التي يدل عليها لفظه بتعينها الجنسي أو الشخصي ومفادها في الجمع الإشارة إلى الافراد المتعينة ولو بعهد وشبهه فمن زعم أن اللام مستعملة في شئ من موارده في الاستغراق فقد أخطأ نعم هي تفيد الاستغراق في الجمع لا بمعنى أنها تستعمل فيه في الاستغراق بل بمعنى أنها تمحضه لاستغراق جميع الآحاد عند عدم ما يقتضي تعيين ما دونه لما سبق ذكره وأما في المفرد فهي ظاهرة في الإشارة إلى الحقيقة من حيث تعينها الجنسي حيث لا يكون تعين عهدي نعم قد يؤخذ الحقيقة المشار إليها بالاعتبار الأول باعتبار تحققها في جميع الافراد لا بدلالة اللام أو المعرف بها عليه إذ ليس مدلولهما كما عرفت إلا الإشارة والحقيقة بل بدلالة أمر آخر عليه كقرينة الاستثناء في الآية ونحوها فيفيد العموم بمعونته بل كما يؤخذ الحقيقة المشار إليها باللام المدلول عليها بلفظ معرف باعتبار تحققها في جميع الافراد ويدل عليه بأمر خارج كذلك يؤخذ الحقيقة المجردة عن الإشارة المدلول عليها بلفظ منكر بالاعتبار المذكور ويدل عليه بأمر خارج كما في قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت وقولهم تمرة خير من جرادة فلا فرق في استفادة الاستغراق من المفردين بين معرفة ومنكرة فكما أن المفيد له في الثاني غير لفظه فكذلك في الأول وبهذا يسقط ما ذكره التفتازاني من أن النكرة قد تستعمل في العموم مجازا وساق المثالين و غيرهما وذلك لأنا لا نسلم أنها مستعملة في تلك الموارد و نظائرهما في غير معناها الأصلي إذ القرينة التي تدل على اعتبار العموم فيها لا تدل على كونه مقصودا من لفظها والتجوز إنما يلزم على تقديره كما مر هذا ويجوز أن يجعل اللام في المفرد أيضا للإشارة إلى الحقيقة المتعينة من حيث تحققها في ضمن جميع أفرادها كما مر الإشارة إليه ولعله خلاف الظاهر منه حيث يراد به الاستغراق من حيث إن تعين الجنس من حيث وجوده في ضمن جميع أفراده تعين ضعيف لشوبه بضرب من الابهام فلا ينصرف ظاهر الإشارة إليه فظهر مما حققناه بطلان كل من الاستدلال والجواب والايراد بقي الكلام فيما جعله المورد موردا للنزاع وبطلانه مما لا يكاد يخفى إذ كون المفرد المعرف حقيقة في الجنس والعهد مما لا يرتاب فيه أحد وكلماتهم مصرحة به فكيف يتصور وقوع النزاع في اختصاصه بالاستغراق بل الذي يناسب أن يجعل محلا للنزاع بحيث يوافق كلمات القوم ولا ينافي ما حققناه هو أن المفرد المعرف إذا استعمل مجردا عما يعينه للعهد مع عدم صلوح الحكم للتعلق بالجنس من حيث هو فهل الظاهر تعلق القصد بمدلوله باعتبار تحققه في جميع الافراد أو لا فمن قال بالأول قال بأنه يفيد الاستغراق ومن قال بالثاني نفي ذلك فالمراد بالإفادة الإفادة ولو بواسطة الاطلاق توسعا احتج الآخرون أيضا بوجهين الأول عدم تبادر العموم منه عند الاطلاق الثاني أنه لو عم لجاز الاستثناء منه مطردا وهو منتف قطعا وهاتان الحجتان كما ترى إنما تثبتان بظاهرهما كون المفرد المعرف مجازا في العموم إذا استعمل فيه أو كونه غير لازم لمعناه عند الاطلاق وهما مما لا ريب فيه لكن قد تمسك بهما من قال بالاشتراك بين الاستغراق وبين غيره وحمل كلام الآخرين ممن وافقه على نفي العموم عليه وهو غير واضح نعم يمكن تأويل الدليل الأول بأن المراد عدم تبادر العموم منه على التعيين فلا يكون حقيقة فيه على التعيين لكن يشكل تنزيل الدليل الثاني لان عدم الاطراد لو صلح دليلا فإنما يصلح دليلا على المجازية لا على الاشتراك إلا أن يراد عدم اطراده بالنسبة إلى كل ما يصلح له المفرد المعرف حقيقة وفيه تعسف تنبيه قد عرفت أن مدلول المفرد المعرف هو الحقيقة الملحوظة باعتبار تعين لاحق لها فمدلوله في غير العهد هي الحقيقة الملحوظة باعتبار تعينها الجنسي وحينئذ فإذا تعلق بها ما يصلح لان يكون لاحقا لها من حيث هي فلا إشكال وهذا الاستعمال مطرد في موارد الحدود التي هي من قبيل التصورات وفي غيرها شاذ ولهذا تسمع المنطقيين يقولون لا عبرة بالقضايا الطبيعية في العلوم وإلا كان تعلق الحكم بها قرينة على اعتبارها من حيث الفرد وهذا مطرد في الأحكام الشرعية فإن تعلقها بالطبائع من حيث هي غير معقول فإن الحقيقة من حيث هي مجردة عن اعتبار الوجود والعدم مما لا يصح تعلق الإرادة أو الكراهة بها وتعلقها بها باعتبار الوجود تعلق بها باعتبار الفرد لان الحقيقة بهذا الاعتبار لا تكون إلا جزئية ولا نعني بالفرد إلا ذلك ولا يتوهم أن هذا ينافي القول بأن الأوامر تتعلق بالطبائع دون الافراد لان المراد هناك ما يتعلق به صيغة الامر ولا ريب أن ما يفيده الصيغة إنما هو طلب الايجاد وهو إنما يتعلق بالطبيعة من حيث هي لأنها مدلول المادة التي وردت عليها الهيئة عندهم دون الفرد وإن كانت الطبيعة بالقياس إلى الطلب جزئية لأنه إنما يتعلق بها باعتبار وجودها الخارجي وهي بهذا الاعتبار شخصية لا محالة وقد مر التنبيه على هذا مرارا وإذا حققت ذلك في الأحكام التكليفية فقس عليه الحال في الأحكام الوضعية فإن شرطية الحقيقة من حيث هي أو سببيتها أو مانعيتها أو صحتها أو بطلانها غير معقولة بل كل ذلك إنما يلحق الماهية باعتبار تحققها في الخارج ومما حققنا يظهر فساد ما زعمه بعض المعاصرين حيث قال والقول بأن الطبائع إنما تصير متعلقة للأحكام باعتبار وجودها كلام ظاهري بل الطبائع بنفسها تصير متعلقة للأحكام ومتصفة بالحسن والقبح قال و غاية ما يمكن أن يقال إنه لا وجود لها إلا بالافراد وفيه أنا نقول بتعلقها بها لا بشرط شئ لا بشرط أن لا يكون معها شئ حتى لا يمكن التكليف بها ثم قال ولا فرق بين تعلق الامر به أو تعلق الحل والجواز و الحرمة ونحوها هذا كلامه ونحن نقول من الأمور الواضحة الجلية التي لا يكاد
(١٧٢)