الذوق والتبادر وتفصيل المقام وتوضيح المرام أن لاسم الجنس في صحيح الاستعمال حالات إحداها أن يتجرد عن جميع اللواحق كما إذا كان غير منصرف كحمراء وصفراء فإذا قيل رأيت حمراء وأريد أن الرؤية وقعت على الفرد فإن أريد بحمراء نفس الجنس وأريدت الفردية بقرينة الرؤية أو غيرها كان حقيقة وإن أريد الفردية منه كان مجازا ومن هنا يظهر وجه ضعف آخر في السؤال المذكور الثانية أن يحلقه تنوين التمكن وهو يفيد تمامية الاسم فقط وهذا في المعنى يرجع إلى القسم السابق وأغلب ما يكون كذلك إذا كان اسم الجنس محمولا كقولك هذا رجل فإن الظاهر من مقام الحمل قصد الجنسية دون الفردية لعدم استقامة اعتبارها مع التساوي ولزومها للحمل مع أخصية الموضوع فيلغو اعتبارها في المحمول وكذا إذا قيل جاءني رجل لا امرأة في أحد الوجهين الثالثة أن يلحقه تنوين التنكير ويسمى حينئذ نكرة وقد يطلق النكرة على ما يتناول الأقسام الثلاثة ومدلولها فرد من الجنس لا بعينه بمعنى أن شيئا من الخصوصيات غير معتبر فيه على التعيين فيصح أن يجتمع مع كل تعيين لا أن عدم التعيين معتبر فيه فلا يجتمع مع تعيين وبالجملة تقييد الحقيقة بكل واحد من الافراد غير متعين بل بحيث يصلح أن يقع بدل كل فرد فرد آخر فتقييده تقييد ترديدي لا تعييني فالتقييد بالفرد المأخوذ في مدلوله ليس مفهوم التقييد باعتبار كونه مفهومه بل باعتبار كونه آلة لملاحظة حال الجنس ومنه يظهر أن مدلول النكرة جزئي وليس بكلي كما سبق إلى كثير من الأوهام فإن الجنس المأخوذ باعتبار كونه مقيدا بفرد أي متحدا معه جزئي لا غير ولا فرق فيما ذكرناه في تحقيق مدلول النكرة بين أن يكون الفرد معينا عند المتكلم كما في جاءني رجل أو عند المخاطب كما في أي رجل أتاك أو يكون غير معين عندهما كما في جئني برجل إذ التعيين الحاصل في المثالين الأولين زائد على مدلولها وخارج عنه ولهذا لو أريد بها معه كان مجازا ولا يتوهم أن اسم الجنس على هذا التقدير مستعمل في الفرد بل مستعمل في نفس مفهومه أعني الجنس وإن أطلق على الفرد لان التقييد بالفرد إنما يستفاد من التنوين وتحقيق المقام وتوضيحه أن إطلاق الكلي على الفرد يقع على وجهين أحدهما أن يطلق عليه باعتبار تحقق الطبيعة الكلية التي هي مدلول فيه كإطلاق الانسان على زيد باعتبار كونه إنسانا في قولك رأيت إنسانا وهذا حقيقة قطعا لان إطلاق اللفظ على فرد مفهومه بهذا الاعتبار إطلاق له على نفس مفهومه وعلى قياسه الاطلاق في الفرض المذكور الثاني أن يطلق عليه من حيث الخصوصية وهذا مجاز لان اللفظ غير موضوع له كذلك وهذا كما لو أطلق إنسان وأريد به زيد باعتبار خصوصيته والفرق بين الاطلاق أن اللفظ في الاطلاق الأول مستعمل في الطبيعة من حيث هي لان إطلاقه على الفرد باعتبار ما حل فيه من الطبيعة إطلاق له في الحقيقة على نفس تلك الطبيعة فيكون حقيقة إذ التقدير أن اللفظ موضوع بإزائها وفي الاطلاق الثاني مستعمل في المركب من الطبيعة وقيد الخصوصية أو التقييد بها واللفظ غير موضوع بإزائه بل بإزاء جزئه فاستعماله فيه استعمال له في غير ما وضع له بعلاقة الجزئية والكلية فيكون مجازا والمراد أنها غير موضوع له باعتبار وضعه للطبيعة من حيث هي وأنه مجاز باعتباره فلا ينافي كونه حقيقة فيه باعتبار وضع آخر كما لو كان اللفظ مشتركا بين الكلي و الفرد وكذلك الحال في إطلاق المنون على فرد معين من مدلوله فإنه قد يطلق ويراد به الماهية المقيدة بفرد معين على أن يكون التعيين مرادا من غير لفظه فيكون حقيقة إذ لا يزيد مدلوله على الطبيعة المقيدة بأحد أفرادها وقد أريد ذلك من لفظه وأريد التعيين من غيره وقد يطلق ويراد التعيين من لفظه فيكون مجازا هذا تحقيق ما نص عليه جماعة من المحققين وهو بمكان من الظهور و الوضوح وزعم الفاضل المعاصر في توجيه كون إطلاقه حقيقة على الوجه الأول أن معنى رجل مثلا حينئذ في ظرف التحليل شخص متصف بأنه رجل فالنسبة التقييدية المستفادة من المادة والتنوين تستلزم هذه النسبة الخبرية أعني النسبة في قولنا هو رجل بالحمل المتعارف فهو على حد الحمل حيث لا تجوز في شئ من طرفيه و النسبة هذا محصل كلامه وهو بعد بعده عن الأنظار المستقيمة مما لا يعرف له وجه إذ لا حاجة إلى تكلف إرجاعه إلى الحمل كما عرفت من توجيهنا مع أنه ليس بين مدلول المادة ومدلول التنوين نسبة تقييدية كما يقتضيه ظاهر كلامه لان التنوين كما عرفت موضوع للتقييد بالفرد باعتبار كونه آلة لتعرف أحوال الطبيعة وهو بهذا الاعتبار معنى نسبي يمتنع أن يحتمل نسبة لان النسبة تستدعي تصور طرفيها بالاستقلال وهذا ظاهر جدا وزعم في توجيه كونه مجازا في الوجه الثاني أن مدلول اللفظ حينئذ فرد هو الكلي لا غير بدعوى أن الكلي والفرد حقيقة واحدة وموجود واحد فيفيد حصر الكلي فيه فيلزم التجوز لان زيدا لا غير مثلا معنى مجازي للفظ رجل قال وهذا معنى قولهم إذا أطلق العام على الخاص مع قيد الخصوصية كان مجازا ثم قال فإن قلت إرادة الخصوصية من الفرد لا تستلزم دعوى انحصار الكلي في الفرد بل معناه أن هذا الشخص مع الخصوصية رجل فاستعمل اللفظ الموضوع للجز في الكل بطريق الحمل المتعارف وهو لا ينافي تحقق الرجل في غير هذا الشخص و الحاصل أن اللفظ الموضوع للماهية لم يستعمل فيها بل في الفرد مع قيد الخصوصية فيكون مجازا ولا يلزم منه إفادة الحصر وأجاب عنه بأنه ناش عن الغفلة عن فهم الحقيقة والمجاز ثم أورد في بيانه كلاما حاصله أن الحقيقة عبارة عن الكلمة المستعملة فيما وضعت له استعمالا مستلزما في ظرف التحليل للحمل الذاتي كما لو علمنا أن لفظ الأسد موضوع لحيوان ولم نعلمه بعينه فإذا وصف لنا وميز و قيل هذا الأسد فهذا حمل ذاتي والمجاز عبارة عن الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له
(١٦٣)