توجيه النوع في ضمن شخص دون غيره وهذا متعين في الألفاظ الموضوعة للخطاب إذا استعمل في معانيها الحقيقية كما يظهر مما مر وفي الاخر توجيهه باعتبار موارده وأفراده فهما في الحقيقة اعتباران يطروان على توجيه النوع هذا ويمكن أن يجعل الموضوع في القسمين نفس الجزئيات بأن يكون الواضع قد لاحظ القدر المشترك و وضع كل جزئي من جزئياته بإزاء المعنى ولا يلزم من ذلك أن يكون جميع الأوضاع نوعية لامكان الفرق باتحاد النوع الموضوع و عدمه لكنه بعيد عن الاعتبار وعلى تقديره فالوجه أن يجعل الخطاب في كتب المصنفين بحسب خصوصيات النقوش ومداليلها من خصوصيات الألفاظ المتصورة الملفوظة وتوضيحه أن المخاطب حينئذ يلاحظ نوع الكلام الذي يؤلفه ويتوصل بملاحظته إلى ملاحظة خصوصياته من أفراده المحدثة عن القاصدين حكاية كلامه أو ما قام مقامه ويوجهه إلى من تعلق قصده بمخاطبته وعلى قياسه الكلام في النقوش ولا يخفى أن تسميته ما عدا توجيه شخص اللفظ المعين خطابا مجاز كما عرفت في مفتتح الاحتجاج لكن لا يستلزم التجوز فيما خوطب به ما لم تكن من الألفاظ الموضوعة للخطاب إذا تحقق هذا فنقول خطاباته تعالى في الكتاب لا تخلو إما من قبيل الخطاب بالألفاظ أو بالنقوش أو بالألفاظ والنقوش والفرق بين هذا وسابقه مع استلزامه للخطاب بالألفاظ أيضا على ما مر أن الخطاب بالألفاظ هناك تبع للخطاب بالنقوش وهنا أصلي على أحد تقديريه تبعي على الاخر وعلى التقادير إما أن يكون الخطاب بالنوع أو بالشخص أو بالنوع من أحدهما وبالشخص من الاخر وعلى بعض هذه التقادير إما أن يكون الخطاب إلى معين من الموجودين حال الخطاب أو الحاضرين أو غير معين منهم ومن غيرهم الصور المحتملة لا تزيد على هذه الصور والأظهر أنها من قبيل الخطاب بالألفاظ النوعية إلى الموجودين حال الخطاب والحاضرين لا بالكتابة لعدم نزولها على الظاهر كذلك وإن كان في بعض الآيات دلالة عليه ولا بالألفاظ الشخصية لان الشخص إنما كان يبلغ غير المخاطبين بها غالبا من جبرائيل أو النبي وإنما كان يبلغ المخاطبين حكاياتها فيستدعي توجه الخطاب إليهم على هذا الخروج عن الظاهر بارتكاب التأويل بتنزيلهم منزلة الحاضرين ولا ريب أن حمله على النوع أقرب إليه ومع ذلك فهو أوفق بما هو المقصود من تعميم الاحكام فتعلق خطاباته تعالى بكل من يصلح لان يخاطب بها عند وقوعه عليه من الغائبين والمعدومين كتعلقها بالموجودين و الحاضرين ممن لهم أهلية الفتوى وغيرهم وإن توقف بناء غيرهم في تعيين مراده تعالى ولو غالبا على تقليدهم ويحتمل أنه تعالى خاطب الناس خصوصا أو عموما بلسان رسوله بشخص ما خاطبهم به إما أولا أو مطلقا بمعنى أنه إنشاء الخطاب بكلامه بتنزيله منزلة كلام نفسه كما هو قضية كونه خليفة عنه فيكون كلامه بمنزلة الكلام الذي يخلقه تعالى في الهواء ابتدأ كما في مخاطباته تعالى لموسى عليه السلام وفيه تعسف والفرق بين ومما حققنا يتضح أن النزاع المعظم مع الحنابلة إما في جواز تعلق الخطاب بمعناه الحقيقي بالمعدومين أو في قيام الدليل على أن خطابات الشرع مستعملة في غير معانيها الحقيقية وقد أشرنا إلى ذلك في صدر المبحث وإلا فجواز استعمال لفظ الخطاب في غير الموجود أو غير الحاضر في الجملة مما لا مجال لانكاره ثم الحجة المعروفة للمانعين أمران الأول القطع بأنه لا يقال للمعدومين يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا وإنكاره مكابرة الثاني أنه يمتنع خطاب الصبي والمجنون ونحوهما مع وجودهم وإدراكهم لقصورهم عن الخطاب فالمعدوم بالمنع أجدر لكونه عن الفهم أبعد وأجاب التفتازاني عن الأول بأنه حق فيما إذا كان الخطاب للمعدومين خاصة وأما إذا كان الموجودين و المعدومين وكان إطلاق لفظ الناس والذين آمنوا عليهم بطريق التغليب فلا قال ومثله شائع في الكلام يعرفه علماء البيان وأنت خبير بأن هذا الجواب مما لا مساس له بالدليل المذكور على ما استظهرناه في محل النزاع من حمل الخطاب على الخطاب الحقيقي أعني الخطاب الشفاهي لظهور أن اللفظ بعد التغليب وتنزيل المعدومين منزلة الموجودين لا يكون للخطاب الحقيقي نعم لو كان المقصود منع استعمال ألفاظ الخطاب في المعدومين مطلقا كما يوهمه إطلاق الدليل المذكور نهض الجواب المذكور على دفعه لكن يرد عليه أن التزامه المنع فيما لو اختص الخطاب بالمعدومين مما لا وجه له على هذا التقدير أيضا فإن جواز استعمال لفظ الخطاب في خصوص المعدومين وما بحكمهم من الجمادات ونحوها في الجملة تنزيلا لها منزلة الموجودين وذوي العقول مما لا يكاد يخفى لاشتهاره في النظم والنثر اللهم إلا أن يدعى المقصود عدم جواز ذلك بالنسبة إليه تعالى لانتفاء الفائدة في حقه وهو لو تم فإنما يتم بالنسبة إلى ما هو محل البحث من الخطاب اللفظي وأما بالنسبة إلى غيره فممنوع فإن الذي يستفاد من بعض الآيات والاخبار أن لجميع المخلوقات حتى الجمادات والنباتات والحيوانات العجم نوع شعور وإدراك تدرك به بارئها وصانعها وتسبحه وتقدسه بحسب ذلك الشعور و الادراك قال الله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال جل شأنه والطير صافات كل قد علم صلاته و تسبيحه وقال تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم وتدل أيضا على أن الله تعالى يخاطبها وهي تخاطبه بلسان يناسب حالها قال تعالى وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا الآية وقال تعالى وقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وقال وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وقال جل جلاله ويوم نقول لجهنم هل امتلأت و تقول هل من مزيد من الآيات إلى غير ذلك وأجاب عن الثاني بأن عدم توجه التكليف بناء على الدليل لا ينافي عموم الخطاب وتناوله لفظا ورد بأن هذا إنما يرد إذا كان استدلالهم بعدم توجه التكليف على عدم عموم الخطاب وليس كذلك كيف والمعدوم عند الأشاعرة منهم مكلف لا على وجه التنجيز بأن استدلالهم بعدم توجه الخطاب إليهم على عدم عموم الخطاب له قال بعض الناظرين في كلامه بعد نقل الرد المذكور وهذا وإن رفع
(١٨٢)