الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٦٢
العموم معلومة بخلاف العموم لاحتمال أن يكون المراد به الخصوص فقط وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى من جعله حقيقة في المحتمل الثاني أنه قد اشتهر التخصيص وشاع حتى قيل ما من عام إلا وقد خص إلحاقا للقليل بالعدم مبالغة والظاهر يقتضي كونه حقيقة في الأشهر الأغلب تقليلا للمجاز وأجيب عن الأول أولا بأنه إثبات للغة بالترجيح والاستحسان وهو باطل وثانيا بأنه معارض بكون الحمل على العموم أحوط لاحتمال أن يكون مرادا فيوجب الحمل على الخصوص الاخلال ببعض مقصوده وهذا لا يطرد إذ قد يكون الحمل على الخصوص أحوط وعن الثاني بأن مجرد الشهرة لا يوجب الحقيقة سيما إذا كان مبناها على ذكر قرينة التخصيص و خصوصا بعد ما قام الدليل على كونها حقيقة في العموم فقط تمهيد مقال لتوضيح حال الحق أن اسم الجنس كرجل مجردا عن اللواحق موضوع للماهية من حيث هي وعليه المحققون وقيل بل موضوع للفرد المنتشر وهو مردود بشهادة التبادر على خلافه مع أن هذا القائل يخص النزاع على ما حكاه السكاكي بغير المصادر المجردة عن اللام والتنوين ومن الظاهر عدم مساعدة الوجدان على الفرق و لا فرق في ذلك بين وقوعه مستعملا مع اللواحق من اللام والتنوين و أدوات التثنية والجمع وبدونها وزعم الفاضل المعاصر أنه مع اللواحق موضوع بأوضاع نوعية بإزاء معانيها المعهودة ثم أورد على نفسه سؤالا حاصله أن اسم الجنس إنما يستعمل مع اللواحق وهو حينئذ موضوع بأوضاع نوعية وبدونها لا يقع في صحيح الاستعمال فلا حاجة إلى القول بأنه موضوع حينئذ للماهية من حيث هي وأجاب عنه أولا بأن الماهية من حيث هي مفهوم مستقل يحتاج إلى لفظ في التفهيم وثانيا بأنه يستعمل مجردا عن اللواحق في الأسماء المعدودة وليس حينئذ بمهمل وثالثا بأن من اللواحق ما لا يفيد معنى جديدا في معنى مدخوله كما في تنوين التمكن كقولك رجل جاءني لا امرأة هذا محصل كلامه وفي الوجوه التي أجاب بها نظر أما في الأول فلان مسيس الحاجة إلى ما ذكر لا يوجب وضع المجرد كيف وهو لا يقع في صحيح الاستعمال أعني الاستعمال الذي يتعلق به مقاصد العقلا والحاجة إنما تدعو إلى وضع ما يقع فيه وأما في الثاني فلان الأسماء المعدودة ليست بأسماء أجناس من حيث كونها أسماء معدودة لأنها غير مستعملة في معانيها الوضعية بل هي حكايات عن الألفاظ المستعملة فيها فهي أسماء لأسماء الأجناس ولا نسلم أن المسمى أعني الألفاظ المحكية تتجرد عن اللواحق مع أن الأسماء المعدودة لا يقع في صحيح الاستعمال مجردة عن اللواحق ولو تقديرا بناء على عدم خلو المحكي عنها وضعا فلا يتم بها المقصود ولو أراد تجردها عنها لفظا فغير مفيد كما في صورة الوقف في غيرها من الأسماء المتمكنة لأنها تستعمل حينئذ بحسب أوضاعها النوعية بناء على ثبوتها كما يقول به ولهذا يستفاد منها مفاد تلك الأوضاع بل يمكن أن يجعل أحدها شخصيا والباقي نوعيا وأما في الثالث فلان للخصم أن يقول بأن اسم الجنس مع تنوين التمكن موضوع للماهية من حيث هي وأنه عند التجرد عنها وعن سائر اللواحق ليس موضوعا لمعنى بدليل عدم صحة الاستعمال كذلك فلا يثبت ما قصده المجيب وبالجملة فالسؤال المذكور مما لا محيص للقائل المذكور عنه إلا أن يمنع الوضع النوعي بالنسبة إلى المنون بتنوين التمكن وهو بعيد جدا على هذا القول كما لا يخفى و مع ذلك فلا يجديه إلا الجواب الأخير أو يتمسك بأن الأوضاع النوعية اللاحقة لاسم الجنس مع اللواحق تتوقف على وضعه مجردا وفيه أن كون تلك الأوضاع بأسرها نوعية مما لا داعي إليه حتى يرتكب له هذا الوضع الذي لا يقع الاستعمال الصحيح على حسبه بل يمكن أن يجعل أحدها شخصيا والباقي نوعية وأما على القول المختار فالسؤال المذكور واضح الاندفاع فإن قولنا في رجل مثلا أنه مجردا عن اللواحق اسم جنس وموضوع للماهية من حيث هي ليس معناه أنه يكون كذلك بشرط التجرد عن اللواحق بل معناه أن اللفظ المذكور بمجرده أي من غير اعتبار ضميمة معه موضوع للماهية من حيث هي وأنه بهذا الاعتبار ويسمى اسم جنس وظاهر أن ذلك لا ينافي طريان اللواحق إذ لا ريب أن اللفظ المجرد بهذا المعنى مما يصح استعماله فيتم ما ذكرناه من دعوى التبادر هذا ثم ما يقال من أن اسم الجنس مع اللواحق موضوع بأوضاع نوعية بمعنى أن الواضع وضع وضعا إجماليا كل اسم جنس منونا لفرد منتشر ومعرفا باللام للماهية الحاضرة في الذهن تارة وللمعهود تارة وللاستغراق أخرى ففي مكان من الضعف فإنا لا نفرق بين تركب اسم الجنس مع حرف التعريف والتنكير وتركبه مع سائر الحروف ولعل منشأ الوهم اتصال هذه الأدوات بمدخولها بحيث يعد عرفا كلمة واحدة ويدفعه أن ذلك لا يجدي في مقابلة التبادر واتفاق كلمتهم على أن الأدوات يفيد المعاني الزائدة على معاني مدخولها وقد التزم بها الفاضل المذكور في اللام حيث صرح بأنها في اسم الجنس المعرف للإشارة إلى مدلول مدخولها فإن ذلك يقتضي أن يكون لها وضعا بانفرادها أيضا وحينئذ فلا حاجة إلى ما التزم به من الوضع النوعي وربما كان ذلك مبنيا على ما زعمه جماعة من أن المركبات موضوعة بإزاء معانيها التركيبية كما أن المفردات موضوعة بإزاء معانيها الافرادية وأنها حين الاستعمال تستعمل في معانيها الافرادية والتركيبية بحسب الوضعين وقد بينا فساد ذلك في مقدمات الكتاب بما لا مزيد عليه بل التحقيق أن اسم الجنس المجرد عن اللواحق موضوع للماهية من حيث هي بحكم التبادر كما مر وتلك اللواحق موضوعة بأوضاع حرفية بإزاء معان لاحقة لها كسائر الحروف فلفظ رجل وإنسان وحيوان وجسم و غيرها موضوع بإزاء ماهيات مخصوصة بوضع اسمي والتنوين الداخلة عليها موضوعة بإزاء تقييدها بفرد لا بعينه لا باعتبار كونه مفهوما مستقلا فيكون معنى اسميا بل باعتبار كونه آلة لملاحظة حال مدخولها كما هو الشأن في وضع الحروف وكذلك حرف اللام موضوعة للإشارة لا باعتبار كونها ملحوظة لذاتها فيكون معنى اسميا كمدلول لفظ الإشارة بل باعتبار كونها مرآة لتعرف حال ما أشير بها إليه من الماهية المعينة لان الإشارة تقتضي ملاحظة المتعين بصفة تعينه وهذا هو التحقيق المطابق للقواعد الموافق لما يساعد
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»