الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٦٤
بأن يفيد أن هذا يعني المعنى الغير الموضوع له ذاك يعني المعنى الموضوع له بالحمل الذاتي لا الحمل المتعارف فإن أسدا في قولنا رأيت أسدا يرمي مستعمل في الرجل الشجاع على دعوى أنه الحيوان المفترس لان التشبيه لم يقع إلا بينهما استعمالا مستلزما للحمل الذاتي و الرجل الشجاع يعني لفظ الأسد المستعمل فيه في زيد استمالا مستلزما للحمل المتعارف فهو مجاز بالاعتبار الأول وحقيقة بالاعتبار الثاني وكذا الكلام في سائر أنواع المجاز كإطلاق الغيث على النبات في مثل رعينا الغيث لان إطلاقه عليه مبني على أن دعوى النبات هو الغيث الحقيقي لا أنه فرد من أفراده فيكون صدقه عليه بالحمل الذاتي نعم إطلاق الغيث بمعنى النبات على نبات مخصوص من باب إطلاق الكلي على الفرد بالحمل المتعارف فلهذا نجعله بهذا الاعتبار حقيقة إذ المجاز لا بد فيه من الحمل الذاتي فظهر أن ما نصوا على مجازيته من استعمال العام في الخاص راجع إلى ادعاء كون العام منحصرا في الخاص تحقيقا للحمل الذاتي المعتبر في المجاز انتهى ملخص كلامه أقول والنظر فيه في مواضع الأول فيما بنى عليه من اعتبار الحمل الذاتي في حدي الحقيقة والمجاز وهو غير واضح لأنه إن اعتبر الحمل الذاتي بين اللفظ والمعنى فواضح الفساد ضرورة أنهما متباينان وإن اعتبره بين المعنى المستعمل فيه ونفسه فغير مفيد لظهور أن كل شئ يحمل على نفسه بهذا الحمل وإن اعتبره بين المعنى المستعمل فيه والموضوع له فإن أراد نفس هذا المفهوم فغير سديد لان المفهوم زائد عليه قطعا وإن أراد به معروضه الملحوظ بهذا العنوان فهو مما لا حاجة إلى اعتباره في جانب الحقيقة وغير مستقيم على إطلاقه في جانب المجاز أما أنه مما لا حاجة إلى اعتباره في جانب الحقيقة فلانه يكفي في معرفتها العلم بأنه يصدق على تمام المعنى المستعمل فيه أعني ما أريد من اللفظ أنه موضوع له اللفظ بالحمل المتعارف ولا غبار عليه أصلا كما لا يخفى وأما أنه لا يستقيم على إطلاقه في جانب المجاز فلان مرجع ما بنى عليه أمر المجاز إلى دعوى كون معناه متحدا مع المعنى الحقيقي بحسب الحقيقة وهذا كما ترى إنما يتجه في بعض أنواع الاستعارة كما مر تحقيقه في أوائل الكتاب وأما في المجاز المرسل فمما لا يعقل له وجه أصلا لوضوح أن إطلاق الغيث على النبات ليس مبنيا على دعوى كون الغيث الحقيقي هو النبات و كذا إطلاق القرية على أهلها ليس مبنيا على دعوى كونهم نفس القرية فإن ركاكة الدعوى في الأول وقبحها في الثاني مما لا يخفى على أحد وقس عليه الكلام في سائر الأقسام بل مبنى المجاز على وجود العلاقة بين المعنيين فمتى وجدت جاز إطلاق اللفظ الموضوع لأحدهما على الاخر من غير حاجة إلى دعوى أن أحدهما هو الاخر و مرجع ذلك في الحقيقة إلى تنزيل أحد المعنيين منزلة الاخر [في اختصاص اللفظ به] وإعارة اللفظ الموضوع بإزائه له نظرا إلى ما بينهما من المناسبة والعلاقة لرخصة وضعية أو طبيعية ولا يلزم من جواز تنزيل أحدهما منزلة الاخر في إرادته من لفظه دعوى العينية والاتحاد في الحقيقة نعم يتأتى الدعوى المذكورة في كثير من أنواع الاستعارة بل اعتبارها فيها مما يوجب مزيد حسنها وبلاغتها كما مر لكن ليس المدار في جميع أقسام المجاز عليه بل الاستعارة الثاني فيما ذكره من أن إطلاق الأسد على الشجاع مجاز وإطلاقه بمعنى الشجاع على زيد حقيقة ومحصله أن للاستعمال المذكور اعتبارين حقيقة بأحدهما ومجاز بالآخر وهذا في غاية السقوط والضعف لان الاستعمال الواحد لا يتصف بالحقيقة والمجاز معا وإن أراد أن هناك استعمالين ولو بالقوة فضعفه أظهر وأيضا الأسد بمعنى الشجاع ليس موضوعا لزيد لا بخصوصه ولا من حيث كونه شجاعا فلا يستقيم دعوى أنه حقيقة فيه باعتبار الثالث فيما فسر به كلام القوم من قولهم إطلاق العام على الخاص باعتبار الخصوصية مجاز حيث زعم أنهم أرادوا به قصر مدلول العام على الخاص وهذا غير سديد لفساد الدعوى في نفسها وعدم مساعدة كلامهم عليها أما أنها فاسدة في نفسها فلانا لا نسلم صحة استعمال رجل في قولك رأيت رجلا في هذا المعنى بأن يراد به من هو الرجل لا غير لبعده عن مظان الاستعمال وكأنه قاس ذلك بمثل زيد الرجل حيث يقصد به الحصر على سبيل المبالغة وهو قياس مع وضوح الفارق وتوضيح المقام أن إطلاق الكلي على الفرد أو حمله عليه قد يكون بقصر دلالته عليه وقد يكون بقصر مدلوله عليه فتارة من حيث المراد ومرة من حيث الوجود و حينا من حيث الماهية وهذا قد يكون قصرا على ماهية الفرد بدعوى أنهما حقيقة واحدة وقد يكون قصرا على نفسه ومنشأ الوهم في ذلك عدم الفرق بين هذه الأقسام فإن ما ذكره من إفادة الحصر إنما يتم على التقدير الثالث والأخير فإن قصر وجود المحمول على الموضوع أو قصر ماهية عليه يستلزم الحصر بيان ذلك أنك قد تقول زيد الشجاع وتريد به مجرد حصر وجود ماهية الشجاع في زيد وعدم تجاوزه إلى غيره وقد تريد به أن لا ماهية لزيد سوى ماهية الشجاع والحمل على هذين التقديرين متعارف وقد تزيد على ذلك فتدعي أنه نفس ماهية الشجاع والحمل على هذا إذا أتى ولا خفاء في وجه دلالة الأول على الحصر وأما وجه دلالة الأخير عليه فلان قضية كون زيد نفس ماهية الشجاع أن لا يكون غيره شجاعا لان الشئ لا يتجاوز عن نفسه وأما القسم الثاني فلا دلالة على الحصر فإن كون الكلي تمام ماهية الفرد لا يستلزم اختصاصه به وإلا لانحصر أفراد كل نوع في فرد واحد ولا تجوز في القسم الأول من هذه الأقسام الثلاثة مطلقا لان الكلي لم يطلق فيه إلا على معناه الكلي ولا في القسمين الأخيرين إن كانت الدعوى متفرعة على الاستعمال كما هو الظاهر بأن أطلق الشجاع على مفهومه ثم ادعى أنه نفس زيد أو نفس ماهيته ووجهه ظاهر وإن كان الاستعمال متفرعا على الدعوى بأن استعمل الشجاع في زيد أو في ماهية بعد دعوى أنه الشجاع فلا ريب في مجازيته لان الألفاظ على ما هو التحقيق موضوعة بإزاء معانيها الواقعية لا الادعائية وأما إطلاق الكلي على الفرد بقصر مدلوله عليه من حيث الإرادة والحكم فلا إشكال في كونه حقيقة حيث لم يستعمل الكلي حينئذ إلا في معناه الكلي إذ لم يرد كونه في ضمن
(١٦٤)
مفاتيح البحث: الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»