الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٦١
جماعة إلى الأول وهو المحكي عن المحقق والشيخ والعلامة وعزاه بعضهم إلى الأكثر وذهب قوم إلى الثاني وتوقف بعضهم ثم اختلف النافون فمنهم من جعلها مشتركة بينه وبين الخصوص وحكي عن السيد موافقته لهم على ذلك لغة مع مصيره إلى أنها نقلت في عرف الشرع إلى العموم خاصة ومنهم من جعلها حقيقة في الخصوص و مجازا في العموم ثم هل يختص النزاع بألفاظه المخصوصة أعني أسماء الشرط والاستفهام والموصولات والجمع المعرف والمضاف و مفرديهما والنكرة في سياق النفي أو يجري في مطلق ألفاظه حتى إنه يدخل فيه مثل لفظ كل وأجمع وتوابعه والذي نص عليه العضدي هو الأول والذي صرح به في المعالم هو الثاني ويساعد عليه كلمات بعض الأصحاب وهو المعتمد ثم إن كان النزاع بين النفي الكلي و الاثبات الجزئي كما حررناه فلا إشكال وإن كان بين النفي و الاثبات الكليين كما نص عليه العضدي فيشكل بأن كثيرا من الصيغ المتنازع فيها كالمفرد والجمع بقسميهما يأتي للعهد وهو عندهم ليس من العام كما أشرنا إليه والتزام كونها مجازا فيه بعيد عن أنظار المحققين اللهم إلا أن يقال ليس النزاع على هذا التقدير في تلك الصيغ مطلقا بل إذا تجردت عن قرينة العهد كما صرح به العضدي في الجمع المعرف ونص عليه بعض الناظرين في كلامه في جملة من البواقي فمرجع النزاع على هذا التقدير إلى أن هذه الألفاظ عند عدم العهد هل تختص بالعموم كما هو مذهب المحققين أو تشترك بينه و بين الخصوص كما هو قول البعض أو تختص بالخصوص كما هو قول بعض آخر وحينئذ فلا ينافي ذلك كونها حقيقة في المعهود عند العهد كما عزاه بعضهم إليهم هذا لكن كان عليهم ترك ذكر المفرد المعرف والمضاف في هذا النزاع وأفراده بالبحث لوقوع النزاع فيه بين القائلين بأن للعموم لفظا يخصه ولهذا أفردنا البحث عنه في فصل مستقل ثم التحقيق أن النزاع إن كان في اختصاص هذه الألفاظ بالعموم من حيث وضع الواضع إياها لخصوص العموم فالحق هو القول بالاثبات الجزئي لثبوته في مثل كل رجل بدليل التبادر والنقل على ما سيأتي التنبيه عليه وإن كان في اختصاصها به ولو من حيث الظهور أو من حيث وضعه لمعنى يستلزمه عند التجرد عن الضمائم الخارجية المنافية للعموم فالحق هو القول بالاثبات الكلي لكن في غير المفرد المعرف و المضاف كما سيأتي وهذا المعنى أنسب بالنزاع المحرر في المقام وينبغي تنزيل كلماتهم عليه وحيث إن التقييد بالعهد ونحوه لا ينافي عموم اللفظ عندنا مطلقا كما حققناه سابقا فلا حاجة إلى اعتبار عدمه مطلقا كما ارتكب في الحد نعم ينبغي التقييد بما يخرج به المعهود في فرد أو فردين لعدم صدق العموم على ذلك إذا تقرر هذا فلنا على المذهب المختار مضافا إلى نص اللغويين عليه في بعض الألفاظ تبادر العموم منها عرفا فإن السيد إذا قال لعبده لا تضرب أحدا فهم منه العموم عرفا حتى إنه لو ضرب واحدا عد مخالفا وكذا إذا قال أكرم العلماء أو علماء البلد أو كل عالم أو أحسن إلى من زارني أو من أكرمني أكرمه أو مهما أكرم زيدا أكرمه تبادر العموم ولهذا لو ترك الاكرام والاحسان إلى بعضهم أو في بعض أزمنته إكرامه عد عاصيا وإذا ثبت العموم في هذه الألفاظ عرفا ثبت لغة لأصالة عدم النقل ومما يؤيد ما ذكرناه أنه في كثير من الموارد التي استعملت فيها الصيغ المذكورة قد استدل بها أهل اللسان على العموم فمنها قصة ابن الزبعرى فإنه لما سمع قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال لأخصمن محمدا صلى الله عليه وآله فجأه فقال يا محمد أ ليس عبد عيسى وموسى والملائكة فلو لا أنه فهم منه العموم لما قال ذلك لأنه من أهل اللسان ويؤكد ذلك تقريره صلى الله عليه وآله إياه على العموم حيث لم يجبه بمنعه بل باختصاص ما بغير ذوي العقول ومنها رده تعالى قول اليهود وما أنزل الله على بشر من شئ بقوله من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ومنها الاتفاق على أن كلمة التوحيد مفيدة له وهو مبني على كون النكرة في سياق النفي دالة على العموم وعلى أن قول القائل من رد علي ضالتي فله كذا يوجب استحقاق الجعالة لكل راد لها و على وقوع الحنث فيما إذا حلف أن لا يضرب أحدا إذا ضرب واحدا و كذا إذا نذره إلى غير ذلك مما لا حصر له وقد يستدل أيضا بوجهين الأول أنها لو كانت مشتركة لكان تأكيدا لجمع المعرف بكل و أجمعين مؤكدا للالتباس والتالي باطل أما الملازمة فلتكرير اللفظ الدال عليه فإن تكرر الدال يوجب تأكد المدلول وكان المراد بتأكد الالتباس تأكده في الكلام وتقويه بتعدد موارده حيث كان قبل ذكر التأكيد في المؤكد فقط وبعده فيهما فيتم الملازمة لا تأكد الالتباس في المؤكد فيرد ما قيل من أن تأكيد المبهم بمثله لا يوجب تأكيد إبهامه والتباسه وهذا ظاهر و أما بطلان التالي فلانا نعلم ضرورة أن المقصود من التأكيد إنما هو تكثير الايضاح وإزالة الاشتباه ويمكن دفعه بأن قرينة التأكيد الناشئة من إرادة العموم في موارد استعماله عند ذكر التأكيد قائمة هناك على إرادة العموم فلا محذور الثاني أن العموم معنى ظاهر تمس الحاجة إلى التعبير عنه فيجب وضع لفظ بإزائه مراعاة للحكمة وفيه نظر لان ذلك لا ينافي الاشتراك على أنا لا نسلم وجوب الوضع لكل ما تمس الحاجة إلى التعبير عنه لامكان التأدية في البعض بطريق المجاز حجة القائلين بالاشتراك لغة أمران الأول أن تلك الألفاظ تستعمل في العموم تارة وفي الخصوص أخرى والأصل في الاستعمال الحقيقة والجواب منع الأصل المذكور أولا كما مر تحقيقه وبيان الدليل الموجب للخروج عنه على تقدير تسليمه ثانيا كما عرفت من قضية عدم التبادر وغيره الثاني أنها لو كانت للعموم لعلم إما بالعقل ولا مدخل له فيه وإما بالنقل والآحاد منه لا يوجب العلم ولو كان متواترا لما وقع الخلاف فيه وهذا الدليل مع ظهور فساده من جهات شتى قد سبق ذكره بجوابه حجة السيد [المستدل] على كونها منقولة في عرف الشرع إلى العموم فقط نظير ما مر في بحث الامر من أن علماء الاعصار والأمصار لم يزالوا يحملون تلك الألفاظ على العموم ويستدلون بها والكلام فيه ما مر حجة من جعلها حقيقة في الخصوص فقط أمران الأول أن إرادة الخصوص ولو في ضمن
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»