الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٥٣
الأقرب هو الأول وحيث أبطلنا أصل الدلالة فالبحث في تعيين أحدهما مما ليس فيه كثير فائدة فصل اختلفوا في أن التقييد بالغاية هل يقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها أو لا فذهب الأكثرون إلى الأول وجماعة إلى الثاني والمراد بالغاية هنا غير الغاية في قول النحاة إلى لانتهاء الغاية فإن المراد بها هناك المسافة على ما صرح به بعضهم وهو الموافق لكلام نجم الأئمة وغير الغاية في قولهم هل يدخل الغاية في المغيا أو لا فإن المراد بالغاية هناك ما دخلت عليه أداة الغاية كالكوفة في قولك سرت إلى الكوفة و الليل في قولك صمت إلى الليل ووجه تسميته غاية كونه نهاية إما ببداية أو بنهاية على الخلاف المذكور ويمكن أن يحمل الغاية في قولهم إلى لانتهاء الغاية على هذا المعنى بأن يكون المعنى أنها لإفادة كون الغاية أي مدخولها غاية ونهاية وإنما المراد بها هنا النهاية وهي عند التحقيق أمر اعتباري ينتزع من المغيا من حيث ينقطع استمراره فهي في قولك صم إلى الليل أمر اعتباري بين الصوم والليل بناء على خروج الغاية إن قيس إليه الصوم كان متقدما عليه وإن قيس إليه الليل كان متأخرا عنه نظيره السطح المشترك بين الجسمين فدخل ما بعد الأداة في محل النزاع على القول بعدم دخول الغاية في المغيا أو عند قيام قرينة عليه إذ يصدق عليه حينئذ أنه ما بعد الغاية بالمعنى المذكور ويخرج عنه على القول الاخر أو إذا قام قرينة زائد على خروجه ويدخل فيه ما بعده وحمل الغاية في المقام على المعنى الثاني غير سديد لأنه يوجب خروج ما بعد الأداة عن محل النزاع مع أن النزاع متوجه إليه أيضا بناء على عدم الدخول ولو لقيام قرينة عليه كما يشهد به حجتهم فما يظهر من بعض المعاصرين من أن النزاع هنا فيما بعد الغاية كما بعد الليل في مثل صم إلى الليل و نزاع النحاة في نفس الغاية كالليل في المثال فتوهم بعيد يتضح ضعفه مما قررنا وكذا ما يتوهم من أن المراد بما بعد الغاية هنا هو المذكور بعد الأداة فقط كالليل في المثال المذكور فيكون المراد بالغاية أداتها لعدم جريان النزاع حينئذ على القول بدخول الغاية وكذا ما ذكره العضدي من أن الكلام في الاخر يعنى الغاية نفسه لا فيما بعده ففي قوله إلى المرافق المرافق آخر وليس النزاع في دخول ما بعد المرافق فإنه ناش عن الخلط بين المعنيين بل بين النزاعين كما يظهر من آخر كلامه فإن النحاة يبحثون عن محل النهاية لا عما بعدها والبحث هنا عما بعدها لا عن محلها كيف و البحث عن المحل ليس بحثا عن المفهوم بل عن المنطوق وتحقيق المقام وتوضيحه أنهم تنازعوا فيما يتقيد بالغاية في مقامين الأول في أن الغاية أعني ما دخلت عليه أداة الغاية كإلى وحتى هل هي داخلة في المغيا يعني في حكمه المذكور مطلقا فيكون مفاد قولنا صمت إلى الليل وقرأت القرآن إلى سورة كذا دخول الليل فيما حكم بصومه و السورة المذكورة فيما حكم بقراءته أو لا مطلقا فيكون المراد فيما مر وقوع الصوم فيما قبل الليل والقرأة فيما قبل تلك السورة من غير دلالة على ثبوتهما فيهما أو يفصل بين الغاية المدلول عليها بإلى والمدلول عليها بحتى فيختار الأول في الأول والثاني في الثاني أو بين ما إذا اختلف الغاية والمغيا جنسا كما في المثال الأول وبين ما إذا اتحدا فيه كما في المثال الثاني فيختار الثاني في الأول والأول في الثاني أو يتوقف لتعارض الاستعمال أقوال أظهرها القول الثاني من أنها لا تقتضي الدخول مطلقا بدليل التبادر وصحة السلب فإن السير في الكوفة ليس سيرا إلى الكوفة قطعا وكذلك الصوم في الليل ليس صوما إلى الليل قطعا وتبادر الدخول في مثل قولك قرأت الكتاب من أوله إلى آخره واشتريت الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف بناء على تفسير الاخر والطرف فيهما بالجز الأخير فبواسطة القرينة وهي شهرة استعمالها في مثل ذلك لإفادة الاستيعاب و لو فسرا بالنهاية كما هو الظاهر فلا إشكال وكذلك حتى إذا كانت بمعنى إلى كما في قوله تعالى حتى يطهرن حتى تفئ إلى أمر الله حتى يرجع إلينا موسى حتى أتاهم نصرنا إلى غير ذلك والظاهر أن كل فرقة من الفرق الباقية غير المتوقفة يتمسك على مذهبه بأمثلة تساعد بظاهرها على دعواه ويلتزم بالتأويل فيما عداها وأما مستند المتوقف فواضح وهو تعارض الاستعمال وحكى بعضهم عن الفخر الرازي أنه أبطل القول بالتوقف باستلزامه اشتراك اللفظ بين وجود الشئ وعدمه وأنه غير جائز للزوم خلو الوضع عن الفائدة وهذا الكلام بظاهره ظاهر الفساد لان التوقف لا يقتضي المصير إلى الاشتراك بل ينافيه واشتراك اللفظ بين وجود الشئ وعدمه لا ضير فيه ودعوى انتفاء الفائدة ممنوعة هذا ثم إن كثيرا منهم تكلموا في مدخول إلى بما عرفت و سكتوا عن مدخول من الابتدائية مع أنه بمنزلته في دخوله في الحكم المذكور تارة وخروجه عنه أخرى ففي مثل قولك قرأت القرآن من أوله إلى آخره ظاهر في الدخول وفي مثل قولك اشتريت من دار زيد إلى دار عمرو ظاهر في عدم الدخول والحق أنها في الأصل لا يقتضي الدخول وقد تستعمل فيه مجازا كما مر فإن السير في البصرة ليس سيرا من البصرة قطعا والثاني فيما هو المتداول في كتب الأصول من أن التقييد بالغاية أي النهاية هل يقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها أو لا ولا فرق في هذا النزاع بين القول بدخول الغاية في المغيا وعدمه كما عرفت ولنحرر أولا محل النزاع فاعلم أن النزاع يتصور هنا في مقامين الأول أن التقييد بالغاية هل يقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها مطلقا بحيث يكون المفهوم من قولنا صم إلى الليل أنه لا أمر بالصيام بعدها مطلقا ولو بأمر آخر ولا يقتضي ذلك الثاني أن التقييد بها هل يقتضي المخالفة بالنسبة إلى الحكم المذكور بحيث يكون المفهوم في المثال المذكور انقطاع الصوم المأمور به بذلك الامر عند مجئ الليل أو لا يقتضي ذلك حتى إنه يجوز أن يكون الصوم المطلوب بذلك الخطاب مستمرا بعد الليل أيضا من غير شهادة في اللفظ على خلافه فنقول إن كان النزاع في المقام الأول كما هو ظاهر
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»