الآتية إذ النهي متعلق فيه بالصلاة في الدار المغصوبة لا بالغصب المتحد مع الصلاة في الخارج كما هو محل البحث وما تمسكنا به من النقض بالعبادة المكروهة فإنما هو من باب الأولوية وإلا فليست من أمثلة المبحث وإن شئت التطبيق فطابق بين قولنا صل ولا تغصب وبين قولنا صل ولا تكن في مواضع التهمة وطابق بين قولنا لا تصل في الحمام ولا تصل في الدار المغصوبة والنقض الذي سبق في الاستدلال على جواز تعلق الامر بالأعم المطلق والنهي بالأخص المشتمل عليه كما في قولنا صل ولا تصل في الحمام والمعارضة التي ذكرناها حيث قلنا لا فارق بين قولنا لا تصل في الدار المغصوبة ولا تصل في الحمام إنما هي لنقض عدم جواز تعلق النهي بالخاص مع مطلوبية الطبيعة المطلقة الحاصلة في ضمنها كما في قولنا صل ولا تصل في الدار المغصوبة بجوازه في مثل صل ولا تصل في الحمام و ما ذكر في دفع هذه المعارضة حيث قيل إن الفارق كون الصلاة ثمة عين الغصب وهنا غير الكون في الحمام إنما يناسب ما لو كان المقصود المعارضة لجواز اجتماع الأمر والنهي في مثل قولنا صل ولا تغصب بجوازه في مثل صل ولا تصل في الحمام ثم اعترض على قوله وكما يجتمع الوجوب النفسي مع الاستحباب الغيري إلى قوله كذلك يجتمع الرجحان الذاتي مع الكراهة للغير بأنه رجوع عن أول الكلام فإن المرجوحية بالنسبة إلى الغير غير المرجوحية للغير وكذا الوجوب والاستحباب وإما الاستشهاد باجتماع الوجوب النفسي أو الغيري مع الاستحباب الغيري أو النفسي على القولين المذكورين فمدفوع بأن الوجوب الغيري على القول بالاستحباب النفسي إنما يثبت بعد الوقت والاستحباب إنما يثبت قبله فلا يلزم اجتماع الحكمين في وقت واحد وأما على القول الاخر فمرجع الاستحباب الغيري إلى استحباب أداء الفعل حال كونه مغتسلا لا أنه يستحب له الغسل فيختلف محل الحكمين إلا أن يقال يتوقف إيقاع الفعل حال وقوع الاغتسال على الغسل فيستحب له من باب المقدمة وحينئذ فلا مناص إلا باعتبار تعدد الجهة وبدونه يمتنع الاجتماع لان الاستحباب و الوجوب متضادان ومن قبيل ذلك الصلاة المكتوبة في المسجد و أفضل أفراد الواجب المخير فإنه واجب من حيث كونه فردا من الكلي و مستحب من حيث الخصوصية والشخص وما أدري ما يقول المجيب هنا قبالا لما ذكره في الفرد المرجوح اللهم إلا أن يقول الفرد الأفضل راجح بالنسبة إلى الفرد الاخر وهو فاقد لذلك الرجحان والمزية الموجودة في الأفضل بالنظر إلى أنه أحد فردي المخير لا بالنسبة إلى ذاته فحينئذ يخرج عن المقابلة ومن جملة تلك المواضع تداخل الأغسال الواجبة والمندوبة وقد اضطرب فيه كلام الأصحاب حيث تشعبوا في توجيهه في الأبواب والوجه ما ذكرنا فيما مر من اعتبار تعدد الجهة هذا محصل كلامه ومبين مرامه ولا يخفى ما فيه إذ يمكن أن يلتزم بما أورده أولا بأن تلك المرجوحية توجب مرجوحية العبادة في ذاتها ولا يرد عليه ما أورده من عود المحذور لجواز أن يعتبر جهة التقابل مختلفة كما عرفت من مسلكنا المتقدم أو يلتزم بأنها عبارة عن مجرد كون الغير أرجح كما هو الظاهر من كلام الموجه ويستقيم سواء كان ذلك الأرجح موازيا لأصل الطبيعة في الرجحان أو لم يكن إذ غاية ما في الباب أن يكون للطبيعة المقيدة ببعض الجهات المرجوحة منقصة في الرجحان بالنسبة إلى المجرد عنها وهذا مما لا إشكال فيه لان مرجعه عند التحقيق إلى ضعف وصف رجحانها بضميمة الخصوصية لا إلى اجتماع وصفي الرجحان و المرجوحية فيها فنلتزم بأنها مطلوبة الفعل فقط ولا يلزم منه عدم الكراهة بالمعنى المذكور أعني المرجوحية بالنسبة إلى الغير وإنما يلزم عدم الكراهة بمعنى مطلوبية الترك لو ساعدنا عليه أو نلتزم بأنها مطلوبة الفعل والترك معا لكن مطلوبية فعلها باعتبار الذات و مطلوبية تركها باعتبار الغير ولا فساد فيه لا لمجرد تعدد الجهة فينافي بما مر بل لتعدد المورد وكون التكليف فيه على التخيير كما نلتزم بمثله في الفرض الأول ومرجع الوجه الثاني عند التحقيق إلى الوجه الأخير ولا يذهب عليك أن مذاق الموجه المذكور لا يساعده على ذلك فالاعتذار المذكور تصحيح للجواب على مذهبنا لا على مذهبه وأما ما أورده في السؤال من جواز أن يجتمع مطلوبية الفعل مع مطلوبية الترك عند جواز الفعل والترك فقد عرفت فساده حيث أحلنا اجتماع حكمين في شئ واحد من جهة عدم التمكن من العمل بمقتضاهما ولا مدخل لاختيار المكلف وإرادته في ذلك كما اعتبره في الجواب وأما ما ذكره في الضميمة فبعد خروج المثال المذكور فيها عن محل النزاع كما نبه عليه أخيرا مردود بأن الداعي التأويل في النواهي التي تبين كونها تنزيهية متحقق وهو عدم معقولية إباحة العبادة فضلا عن كراهتها بخلاف ما عداها فإنه لا داعي فيه إلى التأويل وأما ما حكاه عن بعضهم في دفع الضميمة من الفرق فمتجه بعد ملاحظة النهي عن الغصب لا تكلف فيه أصلا لان الصلاة عبارة عن جملة حركات و سكنات وهي متحدة في الخارج مع الغصب إذا وقعت في المكان المغصوب فيكون لا تصل في الدار المغصوبة مؤكدا لعموم ما دل على تحريم الغصب بخلاف الكون في المكان فإنه معنى يغايرها كما سيأتي فتعلق الامر بأحدهما لا ينافي تعلق النهي بالآخر إذا كان للمكلف مندوحة في الامتثال نعم يبقى الكلام في الصارف للنهي عن الصلاة في الحمام إلى الكون فيه حال الصلاة فإن كان امتناع كراهة العبادة كما مر فهو لا يعين هذا التأويل وما زعمه من أن كون الغصب عين الصلاة مبني على أن لا اتحاد في الوجود الخارجي يوجب ارتفاع الاثنينية في الحقيقة وهو ممنوع فضعيف لأنه إن أراد ارتفاع الاثنينية في الحقيقة الخارجية باعتبار كونها خارجية فهو مما لا ريب فيه كما صرح به فحول الحكماء والمتكلمين ومع ذلك فهو في المقام من الأمور الواضحة التي لا تكاد تشتبه على العوام فضلا عن غيرهم إذ لا يرتاب ذو مسكة في كون أفعال الصلاة عين الغصب في الخارج إذا وقعت في الدار المغصوبة وإن أراد ارتفاعها بحسب التحليل في الوجود الذهني فالمنع في محله لكن لا نسلم أن ما ذكر في الدفع مبني على ارتفاع الاثنينية بهذا الاعتبار بل بالاعتبار الأول لما حققنا سابقا من أن الحكم لا يتعلق بالطبائع إلا بالاعتبار الخارج ولا تعدد بينهما في هذا الاعتبار وإن أراد ارتفاعها عنهما بحسب مرتبة التقرر ففيه
(١٣٤)