بواسطة إيجاد الفرد فيجب الفرد من باب المقدمة ولا ينافيه تعلق الحرمة به أيضا من باب المقدمة نظرا إلى كونه مقدمة للمحرم لان الواجب إنما يتوقف في الوجود على فرد ما وهو كلي لا على فرد بخصوصه كالفرد الشخصي المحرم لكن حيث لا محيص عن التزام وجوب الافراد الخاصة للتوصل بها إليه على التخيير والبدلية العقلية نخص الوجوب بغير الفرد المحرم ولا ينافي المطلوب لامكان التوصل إلى الواجب بالمقدمة المحرمة بأن يكون الاتيان بها مسقطا للتكليف بغيرها لحصول الغرض من التوصل إلى الواجب واعلم أن هذا الدليل كما ترى يتفرع على القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج والفاضل المعاصر لم يفرعه عليه نظرا منه إلى ما نقلناه عنه في بحث تعلق الامر بالطبيعة وقد بينا هناك فساده ومن هنا يظهر أيضا ضعف مقالة الحاجبي حيث أجاز أيضا الاجتماع واحتج عليه بأن مورد الأمر والنهي متغايران مع مصيره إلى أن الأوامر إنما تتعلق بالافراد دون الطبائع معللا بامتناع تحققها في الخارج اللهم إلا أن يلتزم بأن العقل يحلل الفرد الخارجي إلى فردين يتعلق الامر بأحدهما والنهي بالآخر وفيه ما لا يخفى والجواب عن هذه الحجة ظاهر مما مر فإن الطلب على ما بينا مما لا يعقل تعلقه بالطبيعة من حيث هي ولا من حيث وجودها في الذهن بل من حيث وجودها في الخارج و هما متحدان فيه فيكون مورد المطلوبية والمبغوضية واحدا شخصيا على ما مر بيانه مع أن الحجة المذكورة يشتمل على الخلل من وجوه أخر لا يكاد يخفى على المتأمل الثاني لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في اجتماع الأمر والنهي لما صح أن يتصف شئ من العبادات بالكراهة والتالي باطل بالنص والاجماع بيان الملازمة أنه لا مانع من الاجتماع إلا التضاد وهو لا يختص بالوجوب مع الحرمة بل يتأتى فيه وفي الندب مع الكراهة أيضا فإن الأحكام الخمسة كلها متضادة فكما يعتد في العبادة المكروهة بتغاير جهتيها حيث إن رجحانها من حيث الذات ومرجوحيتها من حيث الخصوصية فليعتد به في المقام أيضا لظهور أن هذا القدر من التغاير ثابت فيه فيتعين فيه القول بالجواز أيضا فإن ضدية الحرمة للوجوب كضدية الكراهة له وللندب و الجواب أن الكراهة إن فسرت بمعنى مطلوبية الترك مع عدم المنع من الفعل فلا نسلم اتصاف شئ من العبادات بها لامتناعه عقلا و النص الدال عليه مأول والاجماع المدعى عليه ممنوع وإن فسرت بمعنى آخر أو وصف بها أمر خارج عن العبادة ارتفع التنافي بينها وبين مطلوبية الفعل فلا يكون في اجتماعهما معها دلالة على المطلوب وقد يستدل على امتناع اتصاف العبادة بالكراهة بالمعنى الأول بأنها لو اتصفت بها فلا يخلو إما أن يترجح فعلها على تركها أو يترجح تركها على فعلها أو يتساويا فعلى الأول لا يتحقق الكراهة و على التقديرين الأخيرين لا يكون المفروض عبادة عبادة لزوال الرجحان الذي به قوام العبادة ولعدم التمكن من قصد القربة بها لعدم ترتبها عليها وإلا لامتنع الحكم بزوال رجحانها لان جهة كونها مفيدة للقرب إليه تعالى جهة حسن لا يكافئها ما عداها من الجهات مع مشاركة الثاني منهما للأول في استلزامه عدم الكراهة وأجاب عنه الفاضل المعاصر بأن النهي إن تعلق بالعبادة باعتبار ذاتها كقراءة الحائض فلا إشكال لأنا نلتزم حينئذ بمرجوحية فعلها ورجحان تركها ولا حاجة فيها إلى تكلف وإن تعلق بها باعتبار وصفها فلنا أن نلتزم برجحان الفعل ومرجوحيته ولا منافاة لان للفعل اعتبارين من حيث الماهية ومن حيث الخصوصية فهو بالاعتبار الأول راجح وبالاعتبار الثاني مرجوح فإن كان مما له بدل كالصلاة في الحمام فلا إشكال لان النهي عن الخصوصية لا يستلزم طلب ترك الماهية فنختار إيقاعها في غير هذه الخصوصية وإن كان مما لا بدل له كالصوم في السفر والنوافل المبتدئة في الأوقات المكروهة فنقول قضية النهي عنها غلبة جهة المرجوحية الناشئة عن الخصوصية على الرجحان الثابت لماهية العبادة ورفعها إياه فيكون الفعل مرجوحا عريا عن المثوبة كما يدل عليه ما ورد من أنهم عليهم السلام كانوا يتركون تلك العبادات وينهون شيعتهم عنها ولولا ذلك للغا النهي عنها وكان عن أمر مباح أو راجح وهو قبيح والمعتبر في العبادة رجحان الماهية دون الخصوصية إذ لا دليل عليه وأما قصد القربة فلا نسلم أنه يتوقف على حصولها وإلا لما صح أكثر عباداتنا التي لا توجب قربا ولا يترتب عليها ثواب أصلا إن لم نقل بترتب العقاب عليها نظرا إلى عدم حضور القلب والالتهاء عنها وأما أنه لا يجوز مع ذلك ترك الواجب منها فإنما هو لحماية الحمى وحسم سبيل تسويل النفس والشيطان فيما هو العمود لفسطاط الدين فإن أكثر أحكام الشرع من هذا القبيل كتشريع العدة لحفظ الأنساب مع أنه لا يدور مداره ولعله يكفي في قصد القربة وصحة العبادة كون المأتي به صورة العبادة إذا تجرد عن الموانع الشرعية مع أن قصد التقرب كما يكون بمعنى طلب المثوبة والوصول إلى رحمته تعالى كذلك قد يكون بمعنى موافقة الامر أي كون المأتي به من أفراد الطبيعة المأمور بها وإن لم يكن مأمورا به من حيث الخصوصية على أنا نقول إن لم يصح قصد التقرب به من حيث الطبيعة أو الخصوصية يصح قصده من حيث كونه متعبدا أو داخلا في زي المتعبدين وهذا أمر ثالث غير الامرين السابقين بل نقول لا يستحيل عند العقل أن يقول المولى الحكيم لعبده أريد منك هذه الطبيعة وأريد أن لا توجدها في ضمن هذا الفرد أيضا لكن لو عصيتني وأوجدتها فيه لعاقبتك لمخالفتك إياي في كيفية الايجاد لا لأنك لم توجد مطلوبي وهذا معنى مطلوبية الطبيعة الحاصلة في ضمن الفرد ولا غبار عليه إذ الامر المنهي عنه خارج عن العبادة فيصح قصد التقرب باعتبار الاتيان بالطبيعة لا بشرط الحاصلة في ضمن الفرد لا بإتيانه لها في هذا الفرد الخاص المنهي عنه وسمي هذا الوجه بالسر المحجوب هذا محصل كلامه ومنقح مرامه نقلناه عنه من عدة مقامات أقول ويتوجه عليه النظر في مقامين الأول فيما بنى عليه من مرجوحية العبادات المكروهة التي لا بد لها وهو مما لا يخفى فساده على ذي مسكة ضرورة أن العبادة تتوقف على الطلب وهو لا يجامع المرجوحية كما مر وما ادعاه من رجحان الطبيعة من حيث هي غير مجد بعد التزامه بوقوعها من المكلف على وجه المرجوحية لمكان الخصوصية إذ الكلام
(١٢٨)