الآحاد مع الهيئة التركيبية ولا ريب أن أحدهما ليس نفس الاخر بدليل صحة السلب فاتصاف أحدهما بصفة لا تنافي اتصاف الاخر بضدها كالانسان فإنه يتصف بصفة الكاتبية والجوهرية وإن أخذ مقيدا بصفة البياض مثلا ولا يتصف المركب منهما بها بل يتصف بصفة نقيضها وذلك بخلاف ما نحن فيه فإن الموصوف بالحسن في الخارج عين الموصوف بالقبح فيه ضرورة أن لا ميز بين الصلاة و الغصب في الخارج إذا وقعت في المكان المغصوب ولا مغايرة بينهما فيه أصلا حتى يتصور تغاير بين الموردين ولك تمشية هذا الدليل في الوجود والايجاد والجعل أيضا كما مر في الدليل السابق أيضا و عند التحقيق يرجع كل من الدليلين إلى دلائل أربعة واعلم أن قضية هذين الدليلين بالوجوه التي أشرنا إليها امتناع اجتماع الأمر والنهي الفعليين معا في واحد شخصي سواء كانا نفسيين أو غيريين مع تحقق الغير أو كان أحدهما نفسيا والاخر غيريا كذلك وسواء كانا تعيينيين عينيين أو كان أحدهما والاخر تخييريا أو كفائيا وسواء كان تعلقهما بالفعل تعلقا استقلاليا كالصلاة والغصب أو ضمنيا كأجزاء الواجب والمحرم أو كان أحدهما استقلاليا والاخر ضمنيا كجز الواجب إذا كان حراما وبالعكس والوجه في الكل واضح مما مر وأما إذا كانا تخييريين أو كفائين فلا إشكال في جواز الاجتماع لان المطلوب بالامر حينئذ وجود الطبيعة المقرون بعدم البدل وبالنهي عدمها المقرون بوجود البدل فلا يتحد المورد واعلم أيضا أن الاختلاف في جهة النفسية والغيرية لا يفيد الاختلاف في الجهة التقييدية فينبغي أن لا يرتاب في امتناع اجتماعهما من يحكم بامتناعه مع اتحاد الجهة إذ مطلوبية شئ بكل من النوعين ينافي مبغوضيته بالآخر كما نبهنا عليه هذا ما يقتضيه النظر الصحيح وفصل جماعة من متأخري المتأخرين فأحالوا الاجتماع في النفسيين وأجازوا في الغيريين والملفق منهما مع مصيرهم إلى أن النهي طلب الترك المطلق و أنت خبير بأن قضية ما تمسكنا به عدم الفرق ويشبه أن يكون النزاع بيننا وبينهم بلا ثمرة لان الصورة التي يزعمون أنها من باب الاجتماع ويجوزونه فيها هي صورة تجرد المنهي عنه بالنهي الغيري والمأمور به بالامر الغيري عن فعل الغير كما يظهر من المواضع التي يلتزمون فيها بذلك و هذا ليس عندنا من بابه كما حققناه وما هو من بابه وهو صورة ترتب فعل الغير عليه فلا أظن أنهم يقولون بجواز الاجتماع فيه بل ربما يعد فعل المقدمة حينئذ حراما نفسيا نظرا إلى التجري فيرجع إلى القسم الممتنع وإذا تبين عندك مما حققناه عدم جواز توارد الامر و النهي على شئ واحد فاعلم أنه إذا ورد أمر ونهي وكان بين مورديهما المتغايرين بالحقيقة كما هو محل البحث عموم مطلق تعين تخصيص مورد النهي بالامر إن تعلق النهي بالأعم أو تقييد مورد الامر بالنهي إن تعلق بالأخص ويمتنع العكس ووجهه ظاهر وأما إذا كان بينهما عموم من وجه جاز كل من الامرين فإن كان هناك ما يقتضي تعيين أحدهما من دليل خارجي تعين وإلا تعين تقييد مورد الامر بالنهي بشهادة العرف فإن أهل العرف يفهمون عند إطلاق الامر و النهي أن المراد بالمأمور به ما عدا المنهي عنه وهذا أمر ظاهر لا يرتاب فيه من له درية بالمحاورات وإن بالغ في إنكاره بعض المعاصرين وحينئذ فيجب صرف الامر عن إطلاقه على حد سائر المواضع مضافا في إثبات نفي الامتثال بالفرد المشترك مطلقا إلى أصالة عدم الخروج عن العهدة لكن لا يثبت بمجرده التحريم وفي خصوص العبادات إلى امتناع قصد القربة لتوقفه على العلم بكون المأتي به مطلوبا والتقدير انتفاؤه إذ لا أقل من الشك فيثبت فيه التحريم بالنهي لعدم كون المأتي به حينئذ مطلوبا وعبادة فيدخل تحت عموم النهي ويؤكده أدلة التشريع ثم هذا كله إذا لم يكن هناك احتمال النسخ وإلا ففيه تفصيل آخر والكلام فيه خارج عن محل البحث وقد يتمسك في تغليب جهة النهي بوجوه أخر منها أن دفع المفسدة أهم من جلب المنفعة ورد بأن في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعين وهذا الرد ضعيف لان الكلام في صورة عدم التعيين كما مر نعم يرد عليه أنه إن أريد بالمفسدة والمصلحة تحققهما فهو مناف لأصل المقصود من منع الاجتماع وإن أريد احتمالهما أو ماهيتهما فهو إنما يصلح لتعيين الترك لا لتعيين المراد ويمكن تنزيل غرض المستدل على بيان ذلك ومنها أن النهي أقوى دلالة من الامر لاستلزامه انتفاء جميع الافراد بخلاف الامر واعترض عليه الفاضل المعاصر بأن النهي كالأمر لا يقتضي إلا طلب الترك في الجملة وأحال الامر في ذلك إلى ما ذكره في مبحث النهي والذي ذكره هناك هو أن النهي إنما يقتضي نفي جميع الافراد في الجملة وأما نفيها في جميع الأزمان فلا وفساده واضح لان المقصود يتم بالتزام الأول وأما الثاني فثبوته في المقام أعني الغصب ونظائره معلوم بالنص والاجماع بل الضرورة فلا حاجة في إثباته إلى التمسك بدلالة لفظ النهي عليه مع أنك قد عرفت مما حققناه في الفصل السابق دلالة النهي عليه أيضا نعم أصل الدليل غير مطرد كما لا يخفى ومنها الاستقراء وهو أنا تتبعنا الموارد التي يجتمع فيها احتمال الوجوب و الحرمة كالعبادة أيام الاستظهار والطهارة بالاناء المشتبه فوجدنا أن الشارع قد غلب فيها جهة الحرمة على جهة الوجوب و ذلك يورث العلم أو الظن بتغليب جهتها في سائر الموارد وهذا الوجه ضعيف لان الاستقراء المذكور على تقدير تسليمه لا يفيد العلم ولا دليل على حجية الظن المستفاد منه إلا أن يرجع إلى الظن في دلالة اللفظ وهو بعيد قيل ويمكن القلب عليه بأن ترك الواجب حرام و ترك الحرام واجب فيلزم تغليب جهة الوجوب وفيه نظر لان المستدل إنما يستند إلى الاستقراء في تغليب جهة حرمة الفعل على جهة وجوبه لا تغليب جهة الحرمة على جهة الوجوب مطلقا وهذا ظاهر و احتج الخصم بوجوه الأول أنه لو لم يجز لكان لوحدة المتعلق اتفاقا والتالي باطل لان الاحكام إنما تتعلق بالطبائع دون الافراد ولا ريب أن الطبيعة التي تعلق بها الامر كالصلاة مثلا مغايرة للطبيعة التي تعلق بها النهي كالغصب وإيجادها في الخارج لا بشرط ممكن ولو
(١٢٧)