الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٣١
على الفعل لا أن الفعل على تقدير وقوعه خلو عنهما بالكلية وينزل عليه تركهم عليهم السلام لها ونهيهم عليهم السلام عنها وقريب مما ذكرنا ما ذكره بعض من أجاز الاجتماع في حاشيته على العضدي و حينئذ فلا يرد عليه شئ من الاشكالات التي أوردناها على ما ذكره في بيان مورد الرجحان والمرجوحية وفي قصد القربة وإن اتجه عليه الاشكالات الاخر التي أوردناها على أصل المبنى كما لا يخفى ثم إن للمانعين في بيان معنى الكراهة في العبادة وجوها منها أن الكراهة في مثل ذلك تابعة لأمر خارج عن العبادة كالتعرض للرشاش و السيل وأنفار الإبل في كراهة الصلاة في الحمام والبطائح ومعاطن الإبل إلى غير ذلك فالنواهي التنزيهية لا تتعلق إلا بأمر خارج عن العبادة بخلاف النواهي التحريمية فإنها تتعلق بنفسها بدليل الاستقراء وهذا الوجه ضعيف لأنه خروج عن الظاهر من غير حاجة تمس إليه وقد ذكر الفاضل المعاصر في دفعه وجوها منها المنع من الاستقراء وحجيته وهذا إنما يتجه إذا أريد به الاستقراء الناقص وأما إذا أريد به الاستقراء التام كما هو الظاهر فلا يرد عليه إلا المنع من تحققه و منها أن معنى كراهة التعرض للرشاش كراهة الكون في معرض الرشاش ولو حال الصلاة وهذا الكون عين الكون الذي هو جز الصلاة في الخارج فيلزم اجتماع الامر مع النهي التنزيهي في الكون الشخصي وهو المحذور وفيه نظر إذ لا نسلم أن الكون في معرض الرشاش عين الكون الذي هو جز الصلاة كما سيأتي تحقيقه وإن اعترف به بعض من عول على الجواب المذكور كالعلامة ومنها أن الفرق بين النواهي التنزيهية والنواهي التحريمية تحكم إذ به لقائل أن يقول ليس النهي في مثل لا تصل في الدار المغصوبة عن نفس الصلاة بل عن التعرض للغصب وفيه أيضا نظر لظهور الفارق فإن الباعث على ارتكاب التأويل في النواهي التنزيهية موجود بخلاف التحريمية مع أن الاجماع منعقد في الغصب على تعلق النهي فيه بنفسه إن أراد تعميم التأويل إليه بخلاف الصلاة في الحمام ومنها أن الحمل المذكور يوجب زوال الكراهة فيما يؤمن فيه من الرشاش والتزامه بعيد و يمكن دفعه بأن المراد بالتعرض للرشاش الكون في مكان أعد للرشاش فلا يلزم زوال الكراهة بمجرد الامن منه ومنها أن التوجيه المذكور لا يجري بالنسبة إلى الصلاة في مواضع التهمة فإن نفس الكون فيها منهي عنه فلا بد لهم من القول بالبطلان وهو غير معهود منهم فيكون هذا أيضا مما يدل على بطلان مذهبهم وفيه أن للموجه المذكور أن يجعل النهي فيه أيضا عن التعرض للتهمة ودعوى عدم جريان هذا الاحتمال فيه على تقدير جريانه في الفرض السابق تعسف بين على أن الكون في موضع التهمة غير الكون الذي هو جز الصلاة فالنهي عنه لا ينافي الامر بالصلاة المقارنة له على ما سيأتي تحقيقه فلا دلالة فيه على فساد مذهبهم الثاني أن المراد بالكراهة قلة الثواب و نقصانه وأن المراد بالنواهي التنزيهية المتعلقة بالعبادات ذلك فلا يلزم منه توارد حكمين متضادين في مورد واحد والقلة إما أن تعتبر بالنسبة إلى عبادة أخرى مطلقا أو عبادة مضادة لها أو بالنسبة إلى بعض أفراد نوعها مطلقا أو بالنسبة إلى ثواب مطلق الطبيعة أي المجردة عن اعتبار الخصوصيات ومثله ما لو اعتبر بالنسبة إلى الفرد الذي يساوي ثوابه ثوابها فإن الخصوصية قد توجب نقصا في ثواب الطبيعة كما مر وقد توجب الزيادة فيه كالصلاة في المسجد وقد لا توجب شيئا منهما كالصلاة في الدار وصحيح هذه الوجوه هو الوجه الأخير وإن صرح بعضهم بغيره لانتقاض الأول والثالث طردا بمثل نوافل النهار والصلاة في مسجد الكوفة فإنهما أقل ثوابا من نوافل الليل والصلاة في المسجد الحرام مع أنهما لا توصفان بالكراهة بهذا الاعتبار قطعا وانتقاض الثاني عكسا بما لا ضد له كالنوافل المبتدئة والصوم في السفر على القول بجوازه وربما أمكن توجيه هذا الوجه على تحقيقنا الآتي لكن لا حاجة معه إلى هذا التأويل و اعترض عليه المعاصر المذكور بأن هذا التوجيه غير مفيد لان النهي إن كان بمعنى طلب الترك فهو ينافي الامر الدال على مطلوبية الفعل وإن تغايرت الجهة إذ التقدير عدم الاعتداد به وإن كان بمعنى قلة الثواب مجردا عن طلب الترك فهو مع كونه تعسفا لا يجدي بالنسبة إلى الواقع إذ المطلوب إما حصول فعله أو تركه أو هما معا فعلى الأول يلزم عدم الكراهة وعلى الثاني عدم الوجوب وعلى الثالث يعود المحذور على أن قلة الثواب لا تصلح سببا لتفويته حيث إنهم عليهم السلام كانوا يتركون تلك العبادات وينهون شيعتهم عنها وإن أريد ترك الناقص واختيار الزائد فهو إنما يستقيم فيما له بدل كالصلاة في الحمام ونحوها دون ما ليس له بدل كالتطوع بالصوم في السفر والنافلة المبتدئة في الأوقات المكروهة فإن كل يوم من الأيام يستحب الصوم فيه وكل مقدار من الزمان يسع لأداء الركعتين يستحب الصلاة فيه ولا يعقل بدلية فرد منها لاخر لان كل واحد منها مستحب مستقل وما يعتذر به عنه من أن الاحكام واردة على حسب المعتاد لان الناس لا تستغرق أوقاتهم بالنوافل فإن أريد به أن ما يقع في الوقت الراجح ليس من وظيفته بل بدل من وظيفة الوقت المرجوح فهذا ليس بأولى من أن يقال ما يقع في الوقت الراجح وظيفة له ولا وظيفة للوقت المرجوح وإن أريد به أن المقصود ترك الطبيعة في الوقت المرجوح و إيجادها في الوقت الراجح فهذا اعتراف بأن الراجح تركها في الوقت المرجوح من غير بدل فيعود الاشكال مع أن دعوى البدلية بعيدة فيما يقل وقوعه ويترقبه الناس من بين الأيام كصوم يوم الغدير وأول يوم من رجب في السفر فإنه لا معنى للنهي عنه إلى بدل لا وجود له هذا محصل كلامه والجواب عنه أما أولا فبأنا نلتزم بما هو ظاهر كلام القوم من أن الكراهة في العبادة بمعنى قلة الثواب وأن تلك النواهي إرشادية مجردة عن معنى طلب الترك ولا يلزم عليه شئ من المفاسد المذكورة إذ التعسف اللازم على تقديره إنما هو مجرد مخالفة للظاهر وهو مما يجب ارتكابه عند قيام الحجة عليه ثم الكراهة بهذا المعنى لا تنافي مطلوبية الفعل بل يستلزمها فتختار الشق الأول وهو مطلوبية الفعل ونمنع لزوم عدم الكراهة بهذا المعنى على تقديرها والسند عليه ظاهر وما نسب إليهم عليهم السلام من أنهم كانوا يتركون تلك العبادات فلا نسلم أنه كان لرجحان الترك على الفعل بل للاشتغال بما هو أفضل منها
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»