الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٢٦
الدليل يبتني على أصلين أحدهما أن لا تمايز بين الجنس والفصل و لواحقهما العرضية في الخارج كما هو المعروف وأما لو قلنا بالتمايز لم يتحد المتعلق فلا يتم الدليل الثاني أن للوجود حقائق خارجية ينتزع منها هذا المفهوم الاعتباري كما هو مذهب أكثر الحكماء وبعض محققي المتكلمين وأما إذا قلنا بأنه مجرد هذا المفهوم الاعتباري ينتزعه العقل من الماهيات الخارجية ولا حقيقة له في الخارج أصلا كما هو مذهب جماعة فلا يتم الدليل أيضا لكن الأصل الأول مما لا يرتاب فيه أكثر المخالفين في المسألة إن لم يكن كلهم وإنما النازع فيه شاذ ومع ذلك فهو من الأمور الجلية التي أقيم عليها البرهان في محله وأما الثاني فهو وإن كان عندنا من واضحات علم المعقول لكن لا يساعد عليه أكثر المخالفين في المسألة إن لم يكن كلهم فيبتني الاستدلال على تقدير ثبوته ولنا أن نقرر الدليل بوجه لا يبتني على هذا الأصل فنقول لا ريب في أن الطلب لا يتعلق بالماهية من حيث هي ولا من حيث كونها في الذهن بل من حيث كونها في الخارج لا بمعنى أن الطلب لا يتعلق إلا بما هو موجود في الخارج كيف وتعلق الطلب سابق على وجود المطلوب لامتناع تحصيل الحاصل بل بمعنى أن العقل يلاحظ الماهية الخارجية من حيث كونها خارجية ويجعلها بهذا الاعتبار موردا للطلب والمنع كما نقول في الفرض السابق أنه يلاحظ الوجود الخارجي من حيث إنه وجود خارجي و يجعله موردا للطلب والمنع ولا ريب في أن الماهيتين متحدتان في هذا الاعتبار على ما أشرنا إليه في الأصل السابق فعلى تقدير الاجتماع يلزم تواردهما على الواحد بالشخص وقد مر فساده ولا يذهب عليك أنه يمكن إجراء الدليل على الوجه الأول باعتبار الايجاد أيضا فإن معنى الامر طلب الايجاد الخارجي والنهي طلب عدمه فيلزم على تقدير الاجتماع اجتماع المطلوبية والمبغوضية في الايجاد وهو واحد شخصي ضرورة أنهما يوجدان بإيجاد واحد وكذا يمكن إجرائه على الوجه الثاني باعتبار الجعل أيضا فإن الماهيتين مجعولتان بجعل واحد واعلم أن الفرق بين الوجود والايجاد اعتباري لان الوجود إن قيس إلى الفاعل وأخذ من حيث صدوره منه كان إيجادا ومبدأ لوصف الموجدية له وإن قيس إلى الطبيعة كان وجودا ومبدأ لوصف الموجودية لها فهما متحدان ذاتا متغايران بالاعتبار وذلك لما تقرر في محله من أن التأثير عين الأثر في الحقيقة وإن غايره في الاعتبار دفعا للتسلسل واعلم أيضا أن في الامر أمور ثلاثة ولو بالاعتبار يصح نسبته إلى كل واحد منها وهي الايجاد والوجود والماهية فيصح القول بأن المأمور به هو الايجاد بناء على حمل الامر على الإرادة و الطلب وأنه الوجود بناء على حمله على إرادة الجعل وطلبه وأنه الماهية بناء على حمله على تمام مدلول الهيئة عدا النسبة أعني إرادة الايجاد وطلبه ولا خفاء في أن لفظ الامر حقيقة في المعنى الأخير خاصة بدليل أنه قسيم للنهي بخلاف الطلب وطلب الجعل وليعلم أن قولنا هنا وفيما سيأتي من أن الأمر والنهي إنما يتعلقان بالطبائع باعتبار الخارج ناظر إلى ما هو محط أنظار القوم في المقام من الأمر والنهي المتعلقين بأفعال الجوارح وإلا فهما قد يتعلقان بأفعال القلب أيضا كالعقائد والنيات فيكون متعلقهما الطبائع من حيث وجوداتها الذهنية ويعرف الكلام في ذلك بالمقايسة إلى الافعال الخارجة الثاني أن قاعدة التحسين والتقبيح على ما تقرر عندهم قاضية بأن الامر يستتبع حسنا في المأمور به والنهي يستتبع قبحا في المنهي عنه فمتى اجتمعت الجهتان في شئ فإما أن يتكافأ فيرجع حكمه إلى الإباحة أو يترجح إحداهما على الأخرى فيرجع حكمه إلى أحد الأحكام الأربعة بحسب مراتب الرجحان واختلافه فالفرد الذي وجدت فيه الطبيعتان متحد معهما في الخارج وقد جاز الجهتين على ما هو قضية الأمر والنهي وحينئذ فإما أن يتكافأ أو يترجح إحداهما على الأخرى وكيف كان فلا يتحقق الاجتماع والذي يكشف عما ذكرناه أن الحسن والقبح وإن كانا من الأمور الاعتبارية لكنهما من لواحق الأمور الخارجية بمعنى أنهما أمران يثبتان في العقل للأفعال الخارجية باعتبار كونها خارجية أ لا ترى أن من تصور ماهية الصلاة أو الصوم أو الحج أو الجهاد أو الصدقة أو الصدق النافع أو غير ذلك من العبادات الراجحة شرعا أو عقلا وأوجد حقائقها في ذهنه لم يعد بمجرد ذلك فاعلا لفعل حسن ولم يستحق به عند العقل مدحا ولا ثوابا مع أنه قد أوجد تلك الطبائع حقيقة وكذا من تصور عبادة الأصنام وقتل النفوس المحترمة والزنا وشرب الخمر وغير ذلك من الافعال المنكرة لم يستحق بمجرد ذلك ذما ولا عقابا ولم يعد فاعلا للقبيح مع أنه قد أوجد طبائعها حقيقة فظهر أن الحسن والقبح إنما يعرضان للطبائع باعتبار وجوداتها الخارجية و العقل إنما يحكم عليها بأحد الوصفين باعتبار الخارج فثبوتهما للأفعال من قبيل ثبوت الوحدة للواحد والزوجية للاثنين لا من قبيل ثبوت الجنسية للحيوان والفصلية للناطق فإن لحوقهما بحسب الوجود الذهني لا غير ولا ريب في أن الطبيعتين بهذا الاعتبار أعني اعتبار الخارج متحدتان على ما مر فيمتنع أن يتصف إحداهما بالحسن والأخرى بالقبح لان ذلك يؤدي إلى اتصاف الشئ الواحد بهما وهو مستحيل ضرورة أن الشئ الواحد باعتبار كونه واحدا لا يكون حسنا وقبيحا ولا يجدي تغاير المحل بحسب العقل لان الوصف لم يثبت له باعتباره ومعنى كون الحسن والقبح بالوجوه و الاعتبار أن الوجوه والاعتبار أسباب مقتضية لكون الفعل الخارجي باعتبار كونه خارجيا حسنا أو قبيحا لا أن الحسن والقبح من الصفات الاعتبارية الطارية على الطبائع باعتبار وجودها العقلية كالجنسية والفصلية وإلا لما صح الحكم على الفعل الخارجي باعتبار كونه خارجيا بحسن ولا قبح لا يقال هذا منقوض بمثل الوحدة و الكثرة فإنهما من الصفات المتضادة المنتزعة من الأمور الخارجية باعتبار كونها خارجية ومع ذلك يجوز انتزاعها من موصوف واحد كالعشرة فإنها تتصف بالوحدة والكثرة كذلك باعتبارين فظهر أن المغايرة الاعتبارية كافية في اتصاف الشئ بوصفين اعتباريين وإن كانا متضادين لأنا نقول بين الموصوفين هناك مغايرة خارجية فإن الموصوف بالكثرة نفس الآحاد المنضمة و
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»