الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٢٠
صدق حده عليه نعم يصدق النهي عليه باعتبار ما يلزمه عرفا بل يفهم منه من طلب الترك ولا كلام فيه ومن منع تعلق التكليف بالترك أبدل لفظه في الحد بالكف وإنما تركنا قيد الاستعلا وإن اعتبره بعضهم لما مر بيانه في معنى الامر ثم ما ذكرناه من أنه حقيقة في الالزام بالترك هو الظاهر من موارد استعماله فإطلاق المنهي عنه على المكروه مجاز بدليل التبادر ويساعد عليه الآية الآتية وخالف في ذلك بعض فجعلوه حقيقة في المكروه أيضا ويعرف الكلام فيه بمقايسته إلى ما مر في بحث الامر وقد يطلق ويراد به صيغة لا تفعل ونظائرها وهذا هو المعنى المصطلح عليه عندنا وعند أهل العربية و قد اختلفوا في مدلوله بهذا المعنى كاختلافهم في مدلول الامر فالأكثر على أنها حقيقة في التحريم وقيل بل في الكراهة وقيل بل مشترك بينهما والحق أنه موضوع للقدر المشترك أعني طلب ترك الفعل كما ذهب إليه بعضهم لكنه عند الاطلاق ظاهر في عدم الرضا بالفعل فيفيد التحريم والحظر والمستند على ذلك التبادر كما مر في بحث الامر ولك تمشية بقية الأدلة السابقة هنا أيضا احتج الأكثرون بالتبادر فإن المولى إذا قال لعبده لا تفعل كذا ففعل عد عاصيا و ذم لفعله ما نهى عنه المولى وذلك آية التحريم وإذا ثبت ذلك عرفا ثبت لغة وشرعا لأصالة عدم النقل وبأن العلماء كانوا لا يزالون يستدلون بالنواهي المطلقة على التحريم من غير نكير وذلك إجماع منهم على أنها حقيقة في التحريم والجواب عن الأول أن التبادر المذكور إطلاقي فلا يقتضي الحقيقة كما مر وعن الثاني بأنا لا نتحاشى عن دلالة الصيغة المجردة على التحريم وإنما نمنع دلالتها عليه وضعا وليس فيما نقل عنهم دلالة عليه وقد يستدل بقوله تعالى وما نهيكم عنه فانتهوا فإن الامر للوجوب كما مر وجوب الانتهاء نفس حرمة الفعل لا يقال هذا وارد في نواهي الرسول فلا يتناول نواهيه تعالى ولا نواهي الأئمة عليهم السلام والمقصود إثبات الدلالة في الجميع أو يقال لا نسلم أن وجوب الانتهاء يقتضي حرمة الفعل بل الأعم منها ومن كراهية إذ معناه وجوب العمل بمقتضى النهي ولا ريب في وجوب الانتهاء عن المكروه أيضا بمعنى وجوب العمل بمقتضى كراهته لأنا نقول أما الأول فمدفوع بأن المقصود يتم في الباقي بعدم القول بالفصل وقد يتمسك في إلحاق نواهيه تعالى بالأولوية و هي في محل المنع لعدم وضوح المناط وأما الثاني فمدفوع بأن المفهوم من الانتهاء موافقة النهي بترك الفعل وأما القول بمقتضاه مع الفعل فلا يسمى انتهاء حقيقة لا لغة و لا عرفا في أصل الحجة بحث وهو أن لفظ النهي إن كان موضوعا لطلب الترك على وجه الالزام كما اخترناه فهو لا يتناول مدلول الصيغة ما لم يثبت استعمالها في الخطر فإثبات استعمالها في الخطر بتناوله لها دور وإن كان موضوعا لمطلق طلب الترك دار الامر بين أحد التأويلين من تخصيص الموصولة أو حمل الامر على الطلب المطلق أعني القدر المشترك و التخصيص وإن كان في نفسه أرجح إلا أنه هنا من حيث استلزامه إخراج أكثر الافراد على الظاهر أما مرجوح بالنسبة إلى التأويل في الامر أو مساو له وكيف كان فلا ينهض دليلا على المقصود وفيه نظر إذ يكفي في التمسك بالآية الاستناد إلى العرف واللغة في تسمية مدلول الصيغة المجردة عن القرينة الصادرة عن العالي نهيا وهذا ظاهر بالرجوع إلى المحاورات ولا حاجة إلى تعيين معنى النهي و الصيغة نعم يتجه على أصل الاحتجاج أن الآية إنما تقتضي مجرد الاستعمال أو الاطلاق وهو لا يقتضي الوضع كما هو المقصود و يعرف حجة القول بالكراهة والاشتراك بالمقايسة إلى ما مر في مبحث الامر ثم من القائلين بأنها للتحريم من توقف في دلالتها عليه إذا وردت في الاخبار المروية عن الأئمة نظرا إلى شيوع استعمالها في عرفهم في الكراهة حتى صارت فيها من المجازات المساوي احتمالها لاحتمال الحقيقة وقد تقدم نظير هذا الكلام منه في الامر والجواب الجواب فصل الحق أن المطلوب بالنهي إنما هو ترك الفعل أعني التسبب لعدمه ونفيه وذهب جماعة إلى أنه أمر وجودي وهو الكف عنه لنا وجوه الأول أن النهي حقيقة في طلب الترك مجاز في طلب الكف لتبادر الأول منه دون الثاني وليس هناك ما يستدعي صرفه من معناه الحقيقي إلا ما تخيله الخصم وهو لا يصلح له على ما سنبين فساده فتعين الحمل عليه وهو المطلوب الثاني أن المطلوب و لو كان نفس الكف لوجب العزم على الفعل والميل إليه لتوقف صدقه عرفا عليه ولعصى بالترك إذا تجرد عن الكف لعدم الاتيان بالمطلوب وفساد كل من اللازمين يقضي بفساد الملزوم لا يقال مفاد النهي طلب الكف عند إرادة الفعل والعزم عليه لا مطلقا فيندفع المحذوران لأنا نقول هذا التقييد مما لا يستفاد من الصيغة عند إطلاقها فلا وجه لارتكابه على أنا نقطع بأن المكلف حال عدم إرادة الفعل منهي ولا اختصاص له بحال الإرادة الثالث أنه لو كان المطلوب نفس الكف لزم أن لا يكون عقاب على نفس الفعل بل على ترك الكف لان الطلب لم يتعلق إلا به وأنه باطل قطعا وما يقال في دفعه من أن المطلوب بالذات إنما هو الترك لكن لما لم يكن مقدورا تعلق الطلب بالكف وسيلة إليه فغير جيد إذ العقاب لا يترتب عقلا و عادة إلا على مخالفة ما طلب من المكلف دون الآثار التي قصد ترتبها على الفعل المطلوب إذا لم يتعلق بها طلب حقيقة الرابع أنه يلزم على التقدير المذكور أن لا يستحق عقاب على معصية والتالي باطل بيان الملازمة أن ما يستحق عليه العقاب إما ترك واجب أو فعل حرام وشئ منهما لا يصلح لترتبه عليه أما أنه لا يصلح لترتبه على ترك الواجب فلان الترك بنفسه غير مقدور على زعم الخصم ولا عقاب على غير المقدور إذ كل ما يصح ترتب العقاب عليه يصح تعلق التكليف والخطاب به قطعا وأما الكف عنه فهو وإن كان مقدورا لكن ترتب العقاب عليه يقتضي أن يكون متعلقا للتكليف ولا تعلق له به أما بفعله فظاهر وأما بتركه فلما مر وأما بالكف عنه فلعود الكلام إليه ويتسلسل وأما أنه لا يصلح لترتبه على فعل الحرام فلانه إما على نفسه وقد مر فساده في الوجه الثاني أو على ترك الكف عنه وقد مر فساده في الوجه الأول وأما بطلان التالي فمعلوم بالضرورة و
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»