الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٢٤
بالوضع ولهذا تركنا ذكره عند ذكر أدلتهم احتج الأولون بأمرين الأول تبادر التكرار منه بدليل أن العبد يذم إذا أتى بما نهى عنه مولاه مطلقا بعد تركه مدة يتمكن من إيقاعه فيها الثاني أن النهي يقتضي المنع من إدخال الماهية في الوجود وهو لا يتحقق إلا بالامتناع من إدخال كل فرد فيه وأجيب عن الأول بالمنع من تحقق التبادر و التحقيق أن يقال إن كانت دعوى التبادر بالنسبة إلى النهي المطلق فمسلمة لكن لا يثبت بها المدعى وإن كانت بالنسبة إلى النهي مجردا عن ملاحظة الاطلاق فممنوعة ولا شاهد في المثال المذكور عليها والجواب عن الثاني أن المنع من إدخال الماهية في الوجود قدر مشترك بين الدوام وعدمه بدليل صحة تقييده بكل منهما فلا يختص بأحدهما إلا بضميمة إطلاق أو تقييد احتج الآخرون أولا بأنه لو كان للدوام لما انفك عنه وقد انفك حيث إن الحائض نهيت عن الصلاة و الصوم ولا دوام والجواب منع الملازمة لان مقصود الخصم كونه حقيقة في الدوام وهو إنما يقتضي ظهوره فيه فلا ينافي الانفكاك لقيام قرينة أو دليل وثانيا بأن النهي قد ورد تارة للتكرار كما في قوله تعالى و لا تقربوا الزنى وأخرى بخلافه كقول الطبيب لا تشرب اللبن فيكون القدر المشترك لئلا يلزم الاشتراك أو المجاز المخالفان للأصل وأجيب بأن عدم الدوام في قول الطبيب إنما يستفاد للقرينة و لولاها لكان المتبادر هو الدوام على أن المجاز لازم على تقدير أن يكون موضوعا للقدر المشترك أيضا إذا استعمل في إحدى الخصوصيتين فلا ترجيح وفي كلا الوجهين مع أصل الحجة نظر أما في الوجه الأول فلما عرفت مما حققناه من أن الدوام وعدمه إنما يستفادان بملاحظة أمر خارج عن نفس النهي وأما في الوجه الثاني فلانا نمنع ثبوت استعماله في شئ من الخصوصيتين كما مر وأما في أصل الحجة فلان مجرد كونه موضوعا للقدر المشترك بينهما لا يوجب تساويهما عند الاطلاق مع أن التعليل بلزوم الاشتراك أو المجاز عليل كما نبهنا عليه سابقا وثالثا بأنه يصح تقييده بالدوام من غير تكرار وبخلافه من غير نقض وهو آية كونه القدر المشترك ورد بأن التجوز جائز والتأكيد واقع فالقيد على الأول تأكيد وعلى الثاني قرينة على المجاز وضعفه ظاهر مما مر والحق أن الحجة متجهة إلا أنها لا دلالة لها على نفي الدوام عند الاطلاق تذنيب كل من قال بأن النهي للدوام والتكرار ولو من جهة الاطلاق يلزمه القول بأنه للفور كما يقتضيه حجته وإلا لجاز التأخير إلى حيث لا يتمكن من الترك إلا مرة واحدة وإن علم به إذ لا دليل على التوقيت و ذلك ينافي وجوب الدوام والتكرار وأما من قال بأنه لا يقتضي الدوام والتكرار فله أن يقول بدلالته على الفور كما نقل عن الشيخ في العدة وأن لا يقول به كما نقل عن العلامة في التهذيب ووجهه ظاهر وأما ما ادعاه بعضهم من أن من لا يقول بالتكرار يلزمه عدم القول بالفور فكأنه سهو من القلم والصواب لا يلزمه القول بالفور و هذا واضح فصل اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد ولا بد قبل الخوض في المسألة من تحرير محل النزاع فنقول الوحدة قد تكون بالجنس وهذا مما لا ريب في جواز الاجتماع فيه في الجملة كالسجود حيث اجتمع فيه الأمر والنهي باعتبار إيقاعه له تعالى وللصنم وربما منع منه من زعم أن الحسن والقبح من مقتضيات الجنس فجعل مورد النهي تعظيم الصنم دون السجود له فيختلف المحل وهو مع شذوذه ظاهر الفساد وقد تكون الوحدة بالشخص و حينئذ فإن اتحدت الجهتان أعني الطبيعة المأمور بها والطبيعة المنهي عنها أو تغايرتا وانحصرت أفراد النوع الأول في الثاني ولو اتفاقا أو تعلقا بجزئي ابتدأ وما جرى مجرى ذلك فلا ريب في عدم جواز الاجتماع فيه إلا على قول الأشاعرة حيث جوزوا التكليف بالمحال وربما منعه بعضهم فيما يتحد فيه الجهة نظرا إلى كون نفس التكليف محالا من حيث إن الوجوب يتضمن جواز الفعل وهو يناقض التحريم لأنه يقتضي عدم الجواز وقد يوجه استحالة التكليف بأن الطلب مسبوق بالإرادة واجتماع إرادة الفعل مع إرادة الترك محال يعني أن إرادة الترك المستفادة من النهي يستلزم كراهة الفعل و هي لا تجتمع مع إرادته المستفادة من الامر ضرورة أن كراهية الشئ ومبغوضيته تنافي إرادته ومحبوبيته ولا يخفى أن هذا لا يستقيم على ما هو المعروف من الأشاعرة من أنهم يجعلون الطلب أمرا مغايرا للإرادة مفارقا إياها حتى إنهم صرحوا بأن الامر قد يأمر بما يكرهه فلا يلزم عندهم من توارد الأمر والنهي على شئ اجتماع الإرادة والكراهة فيه هذا إذا لم يستند الاجتماع إلى اختيار المكلف و إلا فقد أجازه من أجاز التكليف بالمحال حينئذ إن جعله من بابه و سيأتي الكلام فيه في المبحث الآتي وإن اختلفت الجهتان وكان للمكلف مندوحة في الامتثال فهو موضع النزاع ومن ترك القيد الأخير فقد اتكل على الوضوح لظهور اعتباره وإطلاق الأمر والنهي في العنوان ينصرف إلى النفسيين العينيين التعيينيين وسنشير في أثناء المبحث إلى ما هو التحقيق في البواقي ويعتبر في اجتماعهما وحدة زمنهما فلو تعدد جاز تعلقهما بشئ واحد عندنا وإن اتحد زمن وقوعه سواء تعددت جهتهما أو اتحدت كما في الخروج من الدار المغصوبة فإنه منهي عنه قبل الدخول ومأمور به بعده وسيأتي تحقيقه في المبحث الآتي والمراد بالنهي هنا طلب الترك المطلق سواء تعلق بمطلق أو بمقيد لأنه الظاهر من إطلاقه وليلزم من اجتماعه مع الامر اجتماع الوجوب والتحريم في الشئ الواحد كما هو مناط البحث فاجتماع النهي بمعنى طلب ترك خاص مع الامر سواء كان مع تغاير الجهتين كما في محل البحث أو بدونه مع كونه على وجه التخيير أو الترتيب بأن يكون تعلق الامر مبنيا على تقدير المخالفة في النهي لجائز خارج عن محل البحث وذلك كما في الواجب المنهي عنه تعيينا أو تخييرا للتوصل بتركه إلى غيره فإن المطلوب بالنهي الغيري تركه المتوصل به إلى الغير كما بيناه في بحث المقدمة وهو لا ينافي مطلوبية الفعل على تقدير عدم التوصل والسر في ذلك أن مستندنا
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»