موافقة الطلب أما لو أتى به بدون ذلك فإن كان المقصود مجرد حصوله سقط عنه التكليف بحسب ما أتى به من غير مخالفته وكان ما أتى به عين المطلوب وإن كان المقصود حصوله على وجه الامتثال كما في الصوم لم يسقط بمجرد حصوله على حذو ما مر في الامر و من هنا يتبين ضعف ما مر ذكره في الدليل الخامس ثم اعلم أن من قال بأن الطلب لا يتعلق بالعدم يلزمه القول بأن النهي عن الشئ عين الامر بضده العام أعني الكف إن سمي طلب الكف أمرا بمعنى أنهما لفظان عبر بهما عن مفهوم واحد وعلى قياسه الكلام على القول الاخر وهذا ظاهر ثم للفاضل المعاصر إشكالان أحدهما أنه لا فرق بين المقام والمقام الذي مرت الإشارة إليه وهو أن النهي عن الشئ هل يقتضي الامر بضده أو لا وفيه نظر لان الكلام هنا في تعيين المطلوب بالنهي مع قطع النظر عما يلزمه من الاعتبارات والبحث هناك إنما هو عما يلزمه من الاعتبارات مع قطع النظر عن تعيين المطلوب به هذا إذا أرادوا بالضد الضد العام أعني مجرد الترك أو الكف و أما إذا أرادوا به مطلق الضد أو الضد الخاص كما يظهر من إلزامهم القائلين بالاقتضاء بوجوب المحرم للتوصل إلى ترك ضده المحرم فالفرق بين النزاعين واضح الثاني أنه على القول بكون المطلوب بالنهي هو الكف يئول الامر إلى النهي عن ضد الكف أيضا على القول بأن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده فيلزمه الدور هذا لفظه وفيه أن من يجعل المطلوب بالنهي الكف يفسر الامر بطلب فعل غير كف فلا يلزمه القول بالاقتضاء المذكور في طلب الكف ولو سلم التعميم فوجه لزوم الدور غير ظاهر لأنه إن أراد بضد الكف نفس الفعل المنهي عنه فغاية ما يلزم أن يكون الامر بالكف مقتضيا للنهي عنه والنهي عنه مقتضيا للامر بالكف وهذا لا يكون دورا لجواز أن يكون الاقتضاء على وجه العينية أو التلازم والتحقيق أنه لا مغايرة بينهما إلا في مجرد التعبير فإطلاق الاقتضاء تسامح وإن أراد به إرادته فالكف عن الفعل كف عنها فغاية ما يلزم أن يجب الكف عن الفعل باعتبار كونه كفا عن إرادته أيضا ولا دور فيه وإن أراد به الكف عن الكف فاللازم منه على تقدير صحته التسلسل دون الدور نعم يلزم الدور أو التسلسل على الوجه الأول إذا قلنا بأن الامر بالشئ يتضمن النهي عن الضد والنهي عن الشئ يتضمن الامر بالضد كما ذهب إليه بعضهم فإن ذلك يوجب جزئية الشئ لنفسه إن جعلنا الامر الثاني عين الأول وهو دور أو جزئيته مثله له إن جعلنا الثاني غير الأول وهو تسلسل وكذا إن قلنا بأن كلا منهما يستلزم الاخر استلزام السبب لمسببه كما يظهر ممن أثبت ذلك من باب المقدمة فيلزم مع الاتحاد الدور ومع التغاير التسلسل ولا فرق على التقديرين بين أن يفسر النهي بطلب الكف أو طلب الترك وإن كان القائل بها قد فسره بطلب الكف فتدبر فصل اختلفوا في دلالة النهي على الدوام والتكرار فأثبتها قوم وعزي إلى الأكثر ونفاها آخرون وإنما جمعنا في تحرير العنوان بين الدوام والتكرار لان الأول أوفق بالقول بأن المطلوب بالنهي مجرد عدم الفعل والثاني أنسب بالقول بأنه الكف و ربما ناسب القول الأول أيضا إن قلنا بعدم بقاء الأكوان مطلقا حتى العدمية منها والتزمنا باستنادها إلى المكلف والظاهر من مقالة المثبتين دعوى كونه موضوعا للتكرار بالخصوص فيدل عليه مع قطع النظر عما سواه حتى عن إطلاقه والظاهر من مقالة النافين نفي دلالته على التكرار ولو مع ملاحظة إطلاقه ما لم يقم قرينة خارجية على خلافه فالنزاع على هذا معنوي والحق أنه بحسب أصل الوضع لا يدل إلا على طلب الترك ولهذا يصح تقييده بكل من الاستمرار و عدمه على الحقيقة وأما عند الاطلاق فمقتضاه الدوام والاستمرار لا غير وبعبارة أخرى إن اعتبر النهي مجردا عن الاطلاق والتقييد كان لطلب نفي الماهية مجردا عن الدوام أو عدمه وإن اعتبر مطلقا كان لطلب نفي الماهية دائما ويمكن تنزيل مقالة النافين على الوجه الأول ومقالة المثبتين على الوجه الثاني فيكون النزاع لفظيا لكنه بعيد كما لا يخفى قلنا إذن في المقام دعويان لنا على أوليهما وجوه أحدها التبادر فإن المفهوم من النهي عند تجريد النظر عن إطلاقه و تقييده ليس إلا طلب ترك الماهية مجردا عن الوصفين وقد سبق أن التبادر من شواهد الحقيقة ويمكن تقرير هذا الدليل بوجه أوضح وهو أن النهي كالأمر يشتمل على جز مادي به يدل على الطبيعة لا بشرط وجز صوري وهو أداة النفي والهيئة به يدل على طلب الترك أو النسبة ولا دلالة لهذين المفهومين على التكرار لا منفردا ولا منضما فيكون للقدر المشترك بينهما وهو المطلوب الثاني أن استعمال النهي في القدر المشترك بين التكرار وعدمه ثابت و استعماله في كل من الخصوصيتين غير ثابت وإنما الثابت إطلاقه عليهما فقضية ما أسلفناه من أصالة الحقيقة في متحد المعنى أن يكون حقيقة في القدر المشترك وللخصم أن يمنع وقوع استعماله في القدر المشترك إذ ليس له مورد ظاهر يمكن إلزامه به الثالث أنه لو كان موضوعا للتكرار بخصوصه كما زعمه الخصم لزم أن يكون مجازا عند تقييده بغيره وليس كذلك للقطع بأن قولنا للحائض لا تصومي أيام حيضك وللجنب لا تدخل المسجد ولا تمس خط الكتاب إلى أن تغتسل إلى غير ذلك مما لا حصر له حقيقة لا غير و دعوى أن للمقيد وضعا آخر مدفوعة بأصالة عدم الاشتراك ولنا على الثانية أيضا وجوه الأول التبادر فإن المفهوم من النهي المطلق عرفا ليس إلا طلب الترك على الاستمرار وذلك ظاهر عند الرجوع إلى المحاورات الثاني أن علماء الاعصار والأمصار لم يزالوا يستدلون بالنواهي الواردة في الكتاب والسنة على دوامه من غير نكير وذلك إجماع منهم على ظهوره في الاستمرار الثالث قضية وقوع المادة المطلقة التي مفادها الماهية المطلقة في سياق النفي المستفاد من النهي حيث إن معناه طلب النفي عموم النفي فيتناول جميع الأزمان وهو المراد بالاستمرار لا يقال قضية عموم النكرة المنفية تناول الافراد دون الأزمان أ لا ترى أن قول القائل كل من دخل داري فله كذا يعد عاما بالنسبة إلى الافراد حتى إنه لو استثنى منه بعض الافراد صح من غير حاجة إلى تقدير ومطلقا بالنسبة إلى الأزمان ولهذا لا يصح أن يستثني منه بعض الأزمان إلا بعد تقدير لفظ كل زمان و
(١٢٢)