وقد شاءت إرادة الله العليم الخبير أن يودع في القرآن كنزا ثمينا من العلوم القيمة المتعلقة بأمور الدين والدنيا، وقد عرض سبحانه هذه العلوم القرآنية في كتابه المقدس بصورة تخالف تمام المخالفة ما عليه كتب البشر القائمة على عرض مادتها بأسلوب المقدمات والتجارب والبراهين والنتائج بل جاء على نسق فريد من البيان المعجز الذي يسوق روائع المعاني ودقائق العلوم والمعارف خلال ما يلقيه من الحكم والمواعظ، وما يبديه من الترغيب والترهيب وما يبينه من الأوامر والنواهي والاحكام والشرائع وما يعرضه من العبر في ثنايا القصص والأمثال فصار بذلك كتابا مقدسا حافلا بكل رائع من الآيات لفظا ومعنى وحقيقة وشريعة، فلا عجب أن يكون المعجزة الآلهية الخالدة، التي تدل على أن الاسلام هو دين الله الحق، وأنه المنهج الرباني الصالح لكل زمان ومكان وقد وصف الله في هذا القرآن كل ما أبدعه من مخلوقاته وصف العليم الخبير بأسرارها وأحوالها ومقوماتها بعبارات وإشارات ودلالات كانت وقت نزولها في عصر النبوة فوق إدراك عقول عامة الناس لتفشي البداوة والجهل في ذلك الحين، ولكنها كانت مفهومة فهما دينيا رائقا في قلوب الذين آمنوا إيمانا خالصا، وكانت روح الايمان تضئ أرواحهم فيرون آيات الله وبهائها في نفوسهم ساطعة الرواء.
وتؤكد السيرة النبوية أن محمدا صلوات الله وسلامه عليه كان نبيا أميا لا يقرأ ولا يكتب، وأنه عاش في صباه راعى غنم وفى شبابه مزاولا للتجارة وبعد زواجه اشتغل في مال زوجته بالتجارة، ولم يكن له أي؟ شاط في تحصيل العلم أو الاجتماع بأهل الكتاب لتلقى علومهم، ولذلك يتسأل الناس: من أين لمحمد النبي الأمي هذا العلم الرباني الغزير؟ ومن أين له كل هذه الفيوضات من بحار