أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٨٩
النعمة، يعني أنعمنا عليك بتربيتنا إياك صغيرا، وإحساننا إليك تتقلب في نعمتنا فكفرت نعمتنا، وقابلت إحساننا بالإساءة لقتلك نفسا منا، وباقي الأقوال تركناه؛ لأن هذا أظهرها عندنا.
وقال بعض أهل العلم: رد موسى على فرعون امتنانه عليه بالتربية، بقوله: * (وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى) *، يعني: تعبيدك لقومي، وإهانتك لهم لا يعتبر معه إحسانك إلي لأني رجل واحد منهم، والعلم عند الله تعالى. * (قال فعلتهآ إذا وأنا من الضآلين) *. أي: قال موسى مجيبا لفرعون: * (قال فعلتها إذا) *، أي: إذ فعلتها * (وأنا) * في ذلك الحين * (من الضالين) *، أي: قبل أن يوحي الله إلي، ويبعثني رسولا، وهذا هو التحقيق إن شاء الله في معنى الآية.
وقول من قال من أهل العلم: * (وأنا من الضالين) *، أي: من الجاهلين، راجع إلى ما ذكرنا؛ لأنه بالنسبة إلى ما علمه الله من الوحي يعتبر قبله جاهلا، أي: غير عالم بما أوحى الله إليه.
وقد بينا مرارا في هذا الكتاب المبارك أن لفظ الضلال يطلق في القرءان، وفي اللغة العربية ثلاثة إطلاقات:
الإطلاق الأول: يطلق الضلال مرادا به الذهاب عن حقيقة الشئ، فتقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شئ ضل عنه، وهذا الضلال ذهاب عن علم شئ ما، وليس من الضلال في الدين.
ومن هذا المعنى قوله هنا: * (وأنا من الضالين) *، أي: من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم، والأسرار التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي، لأني في ذلك الوقت لم يوح إلي، ومنه على التحقيق: * (ووجدك ضالا فهدى) *، أي: ذاهبا عما علمك من العلوم التي لا تدرك إلا بالوحي.
ومن هذا المعنى قوله تعالى: * (قال علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى) *، فقوله: * (لا يضل ربى) *، أي: لا يذهب عنه علم شئ كائنا ما كان،
(٨٩)
مفاتيح البحث: الضلال (6)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»