أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٥٩
وقوله تعالى: * (أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء) *.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (أفأنت تكون عليه وكيلا) *، استفهام إنكار فيه معنى النفي.
والمعنى: أن من أضله الله فاتخذ إلاهه هواه، لا تكون أنت عليه وكيلا، أي: حفيظا تهديه وتصرف عنه الضلال الذي قدره الله عليه؛ لأن الهدى بيد الله وحده لا بيدك، والذي عليك إنما هو البلاغ، وقد بلغت.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء موضحا في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: * (إنك لا تهدى من أحببت ولاكن الله يهدى من يشاء) *، وقوله تعالى: * (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل) *، وقوله تعالى: * (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النار) *، وقوله تعالى: * (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) *، وقوله في آية (فاطر) المذكورة آنفا: * (فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) *، وقوله تعالى في آية (الجاثية) المذكورة آنفا أيضا: * (فمن يهديه من بعد الله) *، والآيات بمثل ذلك كثيرة، والعلم عند الله تعالى. * (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالا نعام بل هم أضل سبيلا) *. * (أم) *، في هذه الآية الكريمة هي المنقطعة وأشهر معانيها أنها جامعة بين معنى بل الإضرابية، واستفهام الإنكار معا، والإضراب المدلول عليه بها هنا إضراب انتقالي.
والمعنى: بل * (تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) *، أي: لا تعتقد ذلك ولا تظنه، فإنهم لا يسمعون الحق ولا يعقلونه، أي: لا يدركونه بعقولهم: * (إن هم إلا كالانعام) *، أي: ما هم إلا كالأنعام، التي هي الإبل والبقر والغنم في عدم سماع الحق وإدراكه
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»