أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٥٧
وأما كونهم قد أتوا على تلك القرية المذكورة، فقد جاء موضحا أيضا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى: * (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وباليل أفلا تعقلون) *، والمراد بأنهم مروا على قرية قوم لوط، وأن مرورهم عليها، ورأيتهم لها خالية من أهلها ليس فيها داع، ولا مجيب؛ لأن الله أهلك أهلها جميعا لكفرهم وتكذيبهم رسوله لوطا، فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن تكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لئلا ينزل بالذين كذبوه مثل ما نزل بقوم لوط من العذاب والهلاك، وبذا وبخهم على عدم الاعتبار بما أنزل بها من العذاب؛ كقوله في آية (الصافات) المذكورة: * (أفلا تعقلون) *، وكقوله تعالى في آية (الفرقان) هذه: * (أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا) *، فقوله: * (أفلم يكونوا يرونها) * توبيخ لهم على عدم الاعتبار؛ كقوله في الآية الأخرى: * (أفلا تعقلون) *، ومعلوم أنهم يمرون عليها مصبحين، وبالليل وأنهم يرونها؛ وكقوله تعالى: * (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل * إن فى ذلك لآيات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم) *، يعني: أن ديار قوم لوط بسبيل مقيم، أي: بطريق مقيم، يمرون فيه عليها في سفرهم إلى الشام، وقوله تعالى: * (بل كانوا لا يرجون نشورا) *، أي: لا يخافون بعثا ولا جزاء، أو لا يرجون بعثا وثوابا. * (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهاذا الذى بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن ءالهتنا لولا أن صبرنا عليها) *. تقدم إيضاحه في سورة (الأنبياء)، في الكلام على قوله تعالى: * (وإذا راك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهاذا الذى يذكر الهتكم وهم بذكر الرحمان هم كافرون) *، وما قالوه هنا من أنهم صبروا على آلهتهم، بين في سورة (ص) أن بعضهم أمر به بعضا، في قوله تعالى: * (وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا علىءالهتكم) *.
* (أرءيت من اتخذ إلاهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا * أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالا نعام بل هم أضل سبيلا * ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شآء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا * ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا * وهو الذى جعل لكم اليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا) * * (أرءيت من اتخذ إلاهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) *. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: * (أرءيت من اتخذ إلاهه هواه) *، أي: مهما استحسن من شئ ورآه حسنا في هوى نفسه كان دينه ومذهبه، إلى أن قال: قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول، اه منه.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»