أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٦٤
المعنى: لو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة، وبعثنا في كل قرية نذيرا يتولى مشقة إنذارها عنك، أي: ولكننا اصطفيناك، وخصصناك بعموم الرسالة لجميع الناس تعظيما لشأنك، ورفعا من منزلتك، فقابل ذلك بالاجتهاد والتشدد التام في إبلاغ الرسالة، و * (لا تطعه * الكافرين) *.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من اصطفائه صلى الله عليه وسلم بالرسالة لجميع الناس، جاء موضحا في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: * (قل ياأيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا) *، وقوله تعالى: * (وما أرسلناك إلا كافة للناس) *، وقوله: * (وأوحى إلى هاذا القرءان لانذركم به ومن بلغ) *، وقوله: * (ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده) *.
وقد قدمنا إيضاح هذا في أول هذه السورة الكريمة، في الكلام على قوله تعالى: * (تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) *، وقوله: * (فلا تطع الكافرين) *، ذكره أيضا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى: * (ولا تطع الكافرين والمنافقين) *، وقوله: * (ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا) *، وقوله تعالى: * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه) *، وقوله تعالى: * (ولا تطع كل حلاف مهين) *.
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (وجاهدهم به) *، أي: بالقرءان، كما روي عن ابن عباس.
والجهاد الكبير المذكور في هذه الآية هو المصحوب بالغلظة عليهم؛ كما قال تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) *، وقال تعالى: * (ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) *، وقوله تعالى: * (فلا تطع الكافرين) *، من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يطيع الكافرين، ولكنه يأمر وينهى ليشرع لأمته على لسانه، كما أوضحناه في سورة (بني إسرائيل). * (وهو الذى مرج البحرين هاذا عذب فرات وهاذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) *
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»