وعاد، وثمود، وأصحاب الرس، والقرون الكثيرة بين ذلك: أنه ضرب لكل منهم الأمثال ليبين لهم الحق بضرب المثل؛ لأنه يصير به المعقول كالمحسوس، وأنه جل وعلا تبر كلا منهم تتبيرا، أي: أهلكهم جميعا إهلاكا مستأصلا، والتتبير الإهلاك والتكسير، ومنه قوله تعالى: * (وليتبروا ما علوا تتبيرا) *، وقوله تعالى: * (إن هؤلاء متبر ما هم فيه) *، أي: باطل، وقوله تعالى: * (ولا تزد الظالمين إلا تبارا) *، أي: هلاكا، وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة، وهما أنه جل وعلا ضرب لكل منهم الأمثال، وأنه تبرهم كلهم تتبيرا جاءا مذكورين في غير هذا الموضع.
أما ضربه الأمثال للكفار، فقد ذكره جل وعلا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في سورة (إبراهيم): * (أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الامثال) *. وأما تتبيره جميع الأمم لتكذيبها رسلها، فقد جاء موضحا في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى في سورة (الأعراف): * (وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون * ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس ءاباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون) *، وقوله تعالى في سورة (سبأ): * (وما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون) *، وقوله في (الزخرف): * (وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على) *، وقوله تعالى: * (ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث) *، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن جميع الأمم كذبوا رسلهم، وأن الله أهلكهم بسبب ذلك، وقد بين جل وعلا في آية أخرى أن هذا العموم لم يخرج منه إلا قوم يونس دون غيرهم، وذلك في قوله تعالى: * (فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحيواة الدنيا ومتعناهم) *.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: * (وأرسلنا * إلى مائة ألف أو يزيدون فئامنوا فمتعناهم إلى حين) *، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه ضرب الأمثال لكل منهم، لم يبين فيه هنا هل ضرب الأمثال أيضا لهذه الأمة الكريمة التي هي آخر الأمم في هذا القرءان، كما ضربها لغيرهم من الأمم، ولكنه تعالى بين في آيات كثيرة أنه