وذكر صاحب (الدر المنثور): أن ابن أبي حاتم وابن مردويه أخرجا عن ابن عباس أن عبادة الكافر للحجر الثاني مكان الأول هي سبب نزول هذه الآية، ثم قال صاحب (الدر المنثور): وأخرج ابن مردويه عن أبي رجاء العطاردي، قال: كانوا في الجاهلية يأكلون الدم بالعلهز ويعبدون الحجر، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه، رموا به وعبدوا الآخر، فإذا فقدوا الآخر أمروا مناديا فنادى: أيها الناس إن إلاهكم قد ضل فالتمسوه، فأنزل الله هذه الآية: * (أرءيت من اتخذ إلاهه هواه) *، وأخرج ابن منذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: * (أرءيت من اتخذ إلاهه هواه) *، قال: ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الحسن: * (أرءيت من اتخذ إلاهه هواه) *، قال: لا يهوى شيئا إلا تبعه.
وأحرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة: * (أرءيت من اتخذ إلاهه هواه) *، قال: كل ما هوى شيئا ركبه، وكل ما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع، ولا تقوى.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، أنه قيل له: أفي أهل القبلة شرك؟ قال: نعم، المنافق مشرك، إن المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله، وإن المنافق عبد هواه، ثم تلا هذه الآية: * (أرءيت من اتخذ إلاهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) *.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تحت ظل السماء من إلاه يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع)، انتهى محل الغرض من كلام صاحب (الدر المنثور).
وإيضاح أقوال العلماء المذكورة في هذه الآية أن الواجب الذي يلزم العمل به، هو أن يكون جميع أفعال المكلف مطابقة لما أمره به معبوده جل وعلا، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه، فقد صرف جميع ما يستحقه عليه خالقه من العبادة والطاعة إلى هواه، وإذن فكونه اتخذ إلاهه هواه في غاية الوضوح.
وإذا علمت هذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، فاعلم: أن الله جل وعلا بينه في غير هذا الموضع، في قوله: * (أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه) *،