الصغير، والدليل على ذلك أمران:
أحدهما القرينة من القرآن، فقوله تعالى: * (فكلى واشربى) * قرينة على أن ذلك المأكول والمشروب هو ما تقدم الامتنان به في قوله: * (قد جعل ربك تحتك سريا) *، وقوله * (مئة سنين وازدادوا تسعا) *، وكذلك قوله تعالى: * (إلى ربوة ذات قرار ومعين) * لأن المعين: الماء الجاري. والظاهر أن الجدول المعبر عنه بالسري في هذه الآية. والله تعالى أعلم.
الأمر الثاني حديث جاء بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: وقد جاء بذلك حديث مرفوع، قال الطبراني: حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي، حدثنا أيوب بن نهيك، سمعت عكرمة مولى ابن عباس، سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن السري الذي قال الله لمريم: * (قد جعل ربك تحتك سريا) *، نهر أخرجه الله لها لتشرب منه) وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه. وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلى، قال فيه أبو حاتم الرازي: ضعيف. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو الفتح الأزدي: متروك الحديث انتهى كلام ابن كثير. وقال ابن حجر رحمه الله في (الكافي الشاف، في تخريج أحاديث الكشاف) في الحديث المذكور: أخرجه الطبراني في الصغير، وابن عدي من رواية أبي سنان سعيد بن سنان، عن أبي إسحاق، عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: * (قد جعل ربك تحتك سريا) * قال: (السري النهر). قال الطبراني: لم يرفعه عن أبي إسحاق إلا أبو سنان، رواه عنه يحيى بن معاوية وهو ضعيف. وأخرجه عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي إسحاق عن البراء موقوفا. وكذا ذكره البخاري تعليقا عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق. ورواه ابن مردويه من طريق آدم، عن إسرائيل كذلك وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن أبي إسحاق موقوفا. وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن السري الذي قاله لمريم نهر أخرجه الله لتشرب منه). أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية في ترجمة عكرمة عن ابن عمر، ورواية عن عكرمة أيوب بن نهيك ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة انتهى.
فهذا الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت طرقه لا يخلو شيء منها من ضعف أقرب إلى الصواب من دعوى أن السري عيسى بغير دليل يجب الرجوع إليه. وممن اختار أن السري المذكور في الآية النهر: ابن جرير في تفسيره، وبه قال البراء بن عازب، وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وعمرو بن ميمون، ومجاهد، وسعيد بن جبير،