أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣٨٥
على ذلك صحيحا لغة. وقوله (ونبيا) على قراءة نافع بالهمزة معناه واضح، وهو فعيل بمعنى مفعول، من النبأ وهو الخبر الذي له شأن، لأن الوحي خبر لهشأن يخبره الله به. وعلى قراءة بالياء المشددة فقال بعض العلماء: معناه كمعنى قراءة نافع، إلا أن الهمزة أبدلت ياء وأدغمت فيها للياء التي قبلها. وعلى هذا فهو كالقراءتين السبعيتين في قوله * (إنما النسىء زيادة فى الكفر) * بالهمزة وتشديد الياء. وقال بعض العلماء: هو على قراءة الجمهور من النبوة بمعنى الارتفاع لرفعة النبي وشرفه. والصالحون: هم الذين صلحت عقائدهم، وأعمالهم. وأقوالهم، ونياتهم، والصلاح ضد الفساد. وقد وصف الله تعالى يحيى بالصلاح مع من وصف بذلك من الأنبياء في سورة (الأنعام) في قوله: * (وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) *.
* (واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا * فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنآ إليهآ روحنا فتمثل لها بشرا سويا * قالت إنى أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقيا * قال إنمآ أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا * قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا * قال كذالك قال ربك هو على هين ولنجعله ءاية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا * فحملته فانتبذت به مكانا قصيا * فأجآءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتنى مت قبل هاذا وكنت نسيا منسيا * فناداها من تحتهآ ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا * وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا * فكلى واشربى وقرى عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولى إنى نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) * قوله تعالى: * (واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا) *. أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يذكر في الكتاب وهو القرآن (مريم) حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا. وقوله (انتبذت) أي تنحت عنهم واعتزلتهم منفردة عنهم. وقوله * (مكانا شرقيا) * أي مما يلي شرقي بيت المقدس. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة (إذ) (مريم) بدل اشتمال، لأن الأحيان مشتملة على ما فيها اشتمال الظرف على مظروفه. قاله الزمخشري في الكشاف واعترضه عليه أبو البقاء وأبو حيان: والظاهر سقوط اعتراضهما، وأن الصواب معه، والله تعالى أعلم. ولم يذكر هنا شيئا عن نسب (مريم) ولا عن قصة ولادتها. وبين في غير هذا الموضع أنها ابنة عمران، وأن أمها نذرت ما في بطنها محررا، تعني لخدمة بيت المقدس، تظن أنها ستلد ذكرا (فولدت مريم). قال في بيان كونها ابنة عمران: * (ومريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها) *. وذكر قصة ولادتها في (آل عمران) في قوله: * (إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتهآ أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالا نثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هاذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشآء بغير حساب) *. وقوله (مكانا) منصوب لأنه ظرف.
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»