أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٢٦٥
، وقوله تعالى: * (ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشآء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم) * إلى غير ذلك من الآيات.
وقد أمره في موضع آخر بالإعراض عن المتولين عن ذكر الله، والذين لا يريدون غير الحياة الدنيا، وبين له أن ذلك هو مبلغهم من العلم. وذلك في قوله تعالى: * (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيواة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم) *.
وقوله في هذه الآية الكريمة: * (من أغفلنا) * يدل على أن ما يعرض للعبد من غفلة ومعصية، إنما هو بمشيئة الله تعالى. إذ لا يقع شيء البتة كائنا ما كان إلا بمشيئته الكونية القدرية، جل وعلا، * (وما تشآءون إلا أن يشآء الله) *، * (ولو شآء الله مآ أشركوا) *، * (ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها) *، * (ولو شآء الله لجمعهم على الهدى) *، * (ختم الله على قلوبهم) *، * (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفىءاذانهم وقرا) * إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن كل شيء من خير وشر، لا يقع إلا بمشيئة خالق السماوات والأرض. فما يزعمه المعتزلة، ويحاول الزمخشري في تفسيره دائما تأويل آيات القرآن على نحو ما يطابقه من استقلال قدرة العبد وإرادته فأفعاله دون مشيئة الله، لا يخفى بطلانه كما تدل عليه الآيات المذكورة آنفا، وأمثالها في القرآن كثيرة.
ومعنى اتباعه هواه: أنه يتبع ما تميل إليه نفسه الأمارة بالسوء وتهواه من الشر، كالكفر والمعاصي.
وقوله: * (وكان أمره فرطا) * قيل: هو من التفريط الذي هو التقصير، وتقديم العجز بترك الإيمان. وعلى هذا فمعنى * (وكان أمره فرطا) * أي كانت أعماله سفها وضياعا وتفريطا. وقيل: من الإفراط الذي هو مجاوزة الحد، كقول الكفار المحتقرين لفقراء المؤمنين: نحن أشراف مضر وساداتهاا إن اتبعناك اتبعك جميع الناس. وهذا من التكبر والإفراط في القول. وقيل (فرطا) أي قدما في الشر.. من قولهم: فرط منه أمر، أي سبق. وأظهر الأقوال في معنى الآية الكريمة عندي بحسب اللغة العربية التي نزل بها للقرآن أن معنى قوله (فرطا): أي متقدما للحق والصواب، نابذا له وراء
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»