وقوله: * (يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا) * فكل ذلك راجع في المعنى إلى شيء واحد، وهو انتفاء مكان يلجؤون إليه ويعتصمون به. قوله تعالى: * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه) *. أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يصبر نفسه، أي يحبسها مع المؤمنين الذي يدعون ربهم أول النهار وآخره مخلصين له، لا يريدون بدعائهم إلا رضاه جل وعلا.
وقد نزلت هذه الآية الكريمة في فقراء المهاجرين كعمار، وصهيب، وبلال، وابن مسعود ونحوهم. لما أراد صناديد الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطردهم عنه، ويجالسهم بدون حضور أولئك الفقراء المؤمنين، وقد قدمنا في سورة (الأنعام) أن الله كما أمره هنا بأن يصبر نفسه معهم أمره أمره بألا يطردهم، وأنه إذا رآهم يسلم عليهم، وذلك في قوله: * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء فتطردهم فتكون من الظالمين) * إلى قوله * (وإذا جآءك الذين يؤمنون بأاياتنا فقل سلام عليكم) * وقد أشار إلى ذلك المعنى في قوله: * (عبس وتولى أن جآءه الا عمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جآءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى كلا) *. وقد قدمنا أن ما طلبه الكفار من نبينا صلى الله عليه وسلم من طرده فقراء المؤمنين وضعفاءهم تكبرا عليهم وازدراء بهم طلبه أيضا قوم نوح من نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأنه امتنع من طردهم أيضا، كقوله تعالى عنهم: * (قالوا أنؤمن لك واتبعك الا رذلون) *، وقوله عنهم أيضا: * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى) *، وقال عن نوح في امتناعه من طردهم: * (ومآ أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين) *، وقوله تعالى عنه: * (ومآ أنا بطارد الذين ءامنوا إنهم ملاقو ربهم ولاكنى أراكم قوما تجهلون وياقوم من ينصرنى من الله إن طردتهم أفلا تذكرون) *.
وقوله * (واصبر نفسك) * فيه الدليل على أن مادة الصبر تتعدى بنفسها للمفعول، ونظير ذلك من كلام العرب قول أبي ذؤيب أو عنترة: واصبر نفسك) * فيه الدليل على أن مادة الصبر تتعدى بنفسها للمفعول، ونظير ذلك من كلام العرب قول أبي ذؤيب أو عنترة:
* فصبرت عارفة بذلك حرة * ترسو إذا نفس الجبان تطلع * والغداة: أول النهار. والعشي آخره. وقال بعض العلماء: