المقسطين) *، أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم في الدين، والإخراج من دياركم. فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا تبعة، كما قال تعالى في الأبوين الكافرين، إذا كان ولدهما مسلما: * (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا) * (وقوله) * (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين) *، أي: لأجل دينكم، عداوة لدين الله، ولمن قام به. * (وأخرجوكم من دياركم وظاهروا) *، أي: عاونوا غيرهم * (على إخراجكم) * (نهاكم الله) * (أن تولوهم) * بالنصر والمودة، بالقول والفعل. وأما بركم وإحسانكم، الذي ليس بتول للمشركين، فلم ينهكم الله عنه، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين، وغيرهم. * (ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) *، وذلك الظلم يكون بحسب التولي. فإن كان توليا تاما، كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ، وما هو دونه. * (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم * وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) * لما كان صلح الحديبية، صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، على أن من جاء منهم إلى المسلمين مسلما، أنه يرد إلى المشركين، وكان هذا لفظا عاما مطلقا، يدخل في عمومه النساء والرجال. فأما الرجال فإن الله لم ينه رسوله عن ردهم إلى الكفار، وفاء بالشرط وتتميما للصلح، الذي هو من أكبر المصالح. وأما النساء، فلما كان ردهم فيه مفاسد كثيرة، أمر المؤمنين، إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات، وشكوا في صدق إيمانهن، أن يمتحنوهن ويختبروهن، بما يظهر به صدقهن، من أيمان مغلظة وغيرها، فإنه يحتمل أن يكون إيمانها غير صادق بل رغبة في زوج، أو بلد أو غير ذلك، من المقاصد الدنيوية. فإن كن بهذا الوصف، تعين ردهن وفاء بالشرط، من غير حصول مفسدة، وإن امتحنوهن، فوجدن صادقات، أو علموا ذلك منهن، من غير امتحان، فلا يرجعوهن إلى الكفار. * (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) * فهذه مفسدة كبيرة راعاها الشارع، وراعى أيضا الوفاء بالشرط، بأن يعطوا الكفار أزواجهن، ما أنفقوا عليهن من المهر وتوابعه، عوضا عنهن. ولا جناح حينئذ على المسلمين، أن ينكحوهن ولو كان لهن أزواج في دار الشرك، ولكن بشرط أن يؤتوهن أجورهن، من المهر والنفقة. وكما أن المسلمة لا تحل للكافر، فكذلك الكافرة لا تحل للمسلم، ما دامت على كفرها، غير أهل الكتاب، ولهذا قال تعالى: * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) *، وإذا نهى عن الإمساك بعصمتها، فالنهي عن ابتداء تزويجها أولى. * (واسألوا ما أنفقتم) * أيها المؤمنون، حين ترجع زوجاتكم مرتدات إلى الكفار، فإذا كان الكفار يأخذون من المسلمين نفقة من أسلمت من نسائهم، استحق المسلمون أن يأخذوا مقابله ما ذهب من زوجاتهم إلى الكفار. وفي هذا دليل على أن خروج البضع من الزوج متقوم، فإذا أفسد مفسد، نكاح امرأة رجل، برضاع أو غيره، كان عليه ضمان المهر. وقوله: * (ذلكم حكم الله) *، أي: ذلكم الحكم، الذي ذكره الله، هو حكم الله، بينه لكم ووضحه. * (والله عليم حكيم) *، فيعلم تعالى، ما يصلح لكم من الأحكام فيشرعه، بحسب حكمته ورحمته. وقوله: * (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار) * بأن ذهبن مرتدات * (فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) * كما تقدم أن الكفار كانوا يأخذون بدل ما يفوت من أزواجهم إلى المسلمين. فمن ذهبت زوجته من المسلمين إلى الكفار، وفاتت عليه، فعلى المسلمين أن يعطوه من الغنيمة، بدل ما أنفق. * (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) * فإيمانكم بالله، يقتضي منكم أن تكونوا ملازمين للتقوى، على الدوام. * (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) * هذه الشروط المذكورة في هذه الآية تسمى (مبايعة النساء) اللاتي كن يبايعن على إقامة الواجبات المشتركة، التي تجب على الذكور والنساء، في جميع الأوقات.
(٨٥٧)