من العيون والأنهار السارحة، والمياه المتدفقة. * (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) *، أي: ليست بمنزلة فاكهة الدنيا تنقطع في وقت من الأوقات، وتكون ممتنعة، أي: متعسرة على مبتغيها، بل هي على الدوام موجودة، وجناها قريب يتناوله العبد على أي حال يكون. * (وفرش مرفوعة) *، أي: مرفوعة فوق الأسرة، ارتفاعا عظيما، وتلك الفرش من الحرير والذهب واللؤلؤ، وما لا يعلمه إلا الله. * (إنا أنشأناهن إنشاء) *، أي: إنا أنشأنا نساء أهل الجنة، نشأة غير النشأة التي كانت في الدنيا، نشأة كاملة لا تقبل الفناء. * (فجعلناهن أبكارا) * صغارهن وكبارهن. وعموم ذلك يشمل الحور العين، ونساء أهل الدنيا، وأن هذا الوصف وهو البكارة ملازم لهن في جميع الأحوال، كما أن كونهن * (عربا أترابا) * ملازم لهن في كل حال. والعروب: هي المرأة المتحببة إلى بعلها، وحسن هيئتها ودلالها، وجمالها ومحبتها، فهي التي إن تكلمت سبت العقول، وود السامع أن كلامها لا ينقضي، خصوصا عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة، والنغمات المطربة، وإن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحا وسرورا، وإن انتقلت من محل إلى آخر، امتلأ ذلك الموضع منها ريحا طيبا ونورا. ويدخل في ذلك، الغنجة عند الجماع. والأتراب اللاتي على سن واحدة، ثلاث وثلاثين سنة، التي هي غاية ما يتمنى أكمل سن الشباب. فنساؤهم عرب أتراب، متفقات مؤتلفات، راضيات مرضيات، لا يحزن ولا يحزن، بل هن أفراح النفوس، وقرة العيون، وجلاء الأبصار. * (لأصحاب اليمين) *، أي: معدات لهم مهيئات. * (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) *، أي: هذا القسم، وهم أصحاب اليمين، عدد كثير من الأولين، وعدد كثير من الآخرين. * (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال * في سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم * إنهم كانوا قبل ذلك مترفين * وكانوا يصرون على الحنث العظيم * وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون) * المراد بأصحاب الشمال، هم أصحاب النار، والأعمال المشئومة. فذكر الله لهم من العقاب، ما هم حقيقون به، فأخبر أنهم * (في سموم) *، أي: ريح حارة من حر نار جهنم، تأخذ بأنفاسهم، وتقلقهم أشد القلق. * (وحميم) *، أي: ماء حار يقطع أمعاءهم. * (وظل من يحموم) *، أي: لهب نار، يختلط بدخان. * (لا بارد ولا كريم) *، أي: لا برد فيه ولا كرم. والمقصود: أن هناك الهم والغم، والحزن والشر الذي لا خير فيه، لأن نفي الضد إثبات لضده. ثم ذكر أعمالهم التي أوصلتهم إلى هذا الجزاء، فقال: * (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) *، أي: قد ألهتهم دنياهم، وعملوا لها، وتنعموا، وتمتعوا بها، فألهاهم الأمل عن إحسان العمل، فهذا هو الترف الذي ذمهم الله عليه. * (وكانوا يصرون على الحنث العظيم) *، أي: وكانوا يفعلون الذنوب الكبار، ولا يتوبون منها، ولا يندمون عليها، بل يصرون على ما يسخط مولاهم، فقدموا عليه بأوزار كثيرة، غير مغفورة. وكانوا ينكرون البعث، فيقولون استبعادا لوقوعه: * (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون) *، أي: كيف نبعث بعد موتنا وقد بلينا، فكنا ترابا وعظاما؟ هذا من المحال، قال تعالى في جوابهم: * (قل إن الأولين) *، إلى: * (يوم معلوم) *. * (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) * أي: قل إن متقدم الخلق ومتأخرهم، الجميع سيبعثهم الله ويجمعهم لميقات يوم معلوم، قدره الله لعباده، حين تنقضي الخليقة، ويريد الله جزاءهم على أعمالهم التي عملوها في دار التكليف. * (ثم إنكم أيها الضآلون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم * ه ذا نزلهم يوم الدين * نحن خلقناكم فلولا تصدقون) * * (ثم إنكم أيها الضالون) * عن طريق الهدى، التابعون لطريق الردى. * (المكذبون) * بالرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق والوعد والوعيد، * (لآكلون من شجرة من زقوم) * وهو أقبح الأشجار، وأخسها، وأنتنها ريحا، وأبشعها منظرا، * (فمالئون منها البطون) *. والذي أوجب لهم أكلها مع ما هي عليه من الشناعة الجوع المفرط، الذي يلتهب في أكبادهم وتكاد تتقطع منه أفئدتهم. هذا الطعام، هو الذي يدفعون به الجوع، وهو لا يسمن ولا يغني من جوع. وأما شرابهم، فهو بئس الشراب، وهو أنهم يشربون على هذا الطعام من الماء الحميم الذي يغلي في البطون * (شرب الهيم) *، وهي الإبل العطاش، التي قد اشتد عطشها، أو أن الهيم: داء يصيب الإبل، لا تروى معه من شراب الماء. * (هذا) * الطعام والشراب * (نزلهم) *، أي: ضيافتهم * (يوم الدين) * وهي
(٨٣٤)