جاء أمر الله) *، أي: حتى جاءكم الموت، وأنتم بتلك الحالة الذميمة. * (وغركم بالله الغرور) * وهو الشيطان، الذي زين لكم الكفر والريب، فاطمأننتم به، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبره. * (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا) *، ولو افتديتم بملء الأرض ذهبا، ومثله معه، لما تقبل منكم. * (مأواكم النار) *، أي: مستقركم * (هي مولاكم) * التي تتولاكم، وتضمكم إليها * (وبئس المصير) * النار. قال تعالى: * (وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * وما أدراك ماهية * نار حامية) *. * (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحي ي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) * لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات، والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها، والاستكانة لعظمته، فعاتب الله المؤمنين على عدم ذلك، فقال: * (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) *. أي: ألم يأت الوقت الذي به تلين قلوبهم، وتخشع لذكر الله، الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد، على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية، والأحكام الشرعية، كل وقت، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك. * (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد) *، أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب، والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولم يثبتوا، بل طال عليهم الزمان، واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم، وزال إيقانهم. * ( فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) * فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل الله، وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإنه سبب لقسوة القلب، وجمود العين. * (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) * فإن الآيات تدل العقول على المطالب الإلهية، والذي أحيا الأرض بعد موتها، قادر على أن يحيي الأموات بعد موتهم، فيجازيهم بأعمالهم، والذي أحيا الأرض بعد موتها بماء المطر، قادر على أن يحيي القلوب الميتة بما أنزله من الحق على رسوله. وهذه الآية تدل على أنه لا عقل لمن لم يهتد بآيات الله، ولم ينقد لشرائع الله. * (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم * والذين آمنوا بالله ورسله أول ئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أول ئك أصحاب الجحيم) * * (إن المصدقين والمصدقات) * بالتشديد، أي: الذين أكثروا من الصدقات والنفقات المرضية. * (وأقرضوا الله قرضا حسنا) * بأن قدموا من أموالهم في طرق الخيرات، ما يكون ذخرا لهم عند ربهم * (يضاعف لهم) * الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. * (ولهم أجر كريم) * وهو ما أعده الله لهم في الجنة، مما لا تعلمه النفوس. * (والذين آمنوا بالله ورسله) *، والإيمان عند أهل السنة ما دل عليه الكتاب والسنة، وهو قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح. فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. فالذين جمعوا هذه الأمور هم الصديقون، أي: الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين، ودون مرتبة الأنبياء. وقوله: * (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم) * كما ورد في الحديث الصحيح: (إن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله). وهذا يقتضي شدة علوها ورفعتهم، وقربهم من الله تعالى. * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) * فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق: المتصدقين، والصديقين والشهداء، وأصحاب الجحيم. فالمتصدقون هم الذين جل عملهم الإحسان إلى الخلق، وبذل النفع لهم بغاية ما يمكنهم خصوصا
(٨٤٠)