تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٣٣
المقربون) *، أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات. أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها. وهؤلاء المذكورون * (ثلة من الأولين) *، أي: جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الأمة وغيرهم. * (وقليل من الآخرين) * وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة، على متأخريها لكون المقربين من الأولين، أكثر من المتأخرين. والمقربون هم: خواص الخلق * (على سرر موضونة) *، أي: مرمولة بالذهب والفضة، واللؤلو والجوهر، وغير ذلك، من الحلي، والزينة، التي لا يعلمها إلا الله تعالى. * (متكئين عليها) *، أي: على تلك السرر، جلوس تمكن وطمأنينة، وراحة واستقرار. * (متقابلين) * وجه كل منهم إلى وجه صاحبه، من صفاء قلوبهم، وتقابلها بالمحبة وحسن أدبهم. * (يطوف عليهم ولدان مخلدون) *، أي: يدور على أهل الجنة لخدمتهم، وقضاء حوائجهم، ولدان صغار الأسنان، في غاية الحسن والبهاء. * (كأنهم لؤلؤ مكنون) *، أي: مستور، لا يناله ما يغيره. مخلوقون للبقاء والخلد، لا يهرمون ولا يتغيرون، ولا يزيدون على أسنانهم، ويدورون عليهم بآنية شرابهم * (بأكواب) *، وهي التي لا عرى لها * (وأباريق) * الأواني التي لها عرى. * (وكأس من معين) *، أي: من خمر لذيذ المشرب، لا آفة فيه. * (لا يصدعون عنها) *، أي: لا تصدع رؤوسهم، كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها. * (ولا ينزفون) *، أي: لا تنزف عقولهم، ولا تذهب أحلامهم منها، كما يكون لخمر الدنيا. والحاصل: أن كل ما في الجنة من النعيم الموجود جنسه في الدنيا، لا يوجد في الجنة فيه آفة كما قال تعالى: * (فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى) *. وذكر هنا خمر الجنة، ونفى عنها كل آفة توجد في الدنيا. * (وفاكهة مما يتخيرون) *، أي: مهما تخيروا، وراق في أعينهم، واشتهته نفوسهم، من أنواع الفواكه الشهية، والجنى اللذيذ، حصل لهم على أكمل وجه وأحسنه. * (ولحم طير مما يشتهون) *، أي: من كل صنف من الطيور يشتهونه، ومن أي جنس من لحمه أرادوا، إن شاءوا مشويا، أو طبيخا، أو غير ذلك. * (وحور عين) *، أي: ولهم حور عين، الحوراء: التي في عينها كحل وملاحة، وحسن وبهاء، والعين: واسعات الأعين حسانها، وحسن عين الأنثى، من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها. * (كأمثال المكنون) *، أي: كأنهن اللؤلؤ الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن بوجه من الوجوه، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها، لم تجد فيه إلا ما يسر القلب ويروق الناظر، وذلك النعيم المعد لهم * (جزاء بما كانوا يعملون) *، فكما حسنت منهم الأعمال، أحسن الله لهم الجزاء، ووفر لهم الفوز والنعيم. * (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما) *، أي: لا يسمعون في جنات النعيم، كلاما يلغى، ولا يكون فيه فائدة، ولا كلاما يؤثم صاحبه. * (إلا قيلا سلاما سلاما) * أي: إلا كلاما طيبا، وذلك لأنها دار الطيبين، ولا يكون فيها إلا كل طيب. وهذا دليل على حسن أدب أهل الجنة في خطابهم فيما بينهم، وأنه أطيب كلام، وأسره للقلوب، وأسلمه من كل لغو وإثم، نسأل الله من فضله: (أن يجعلنا من أهل الجنة). ثم ذكر ما أعد لأصحاب اليمين، فقال: * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) *، أي: شأنهم عظيم، وحالهم جسيم. * (في سدر مخضود) *، أي: مقطوع ما فيه من الشوك والأغصان الرديئة المضرة، مجعول مكان ذلك الثمر الطيب. وللسدر من الخواص، الظل الظليل، وراحة الجسم فيه. * (وطلح منضود) *، والطلح معروف، وهو شجر كبار، يكون بالبادية، تنضد أغصانه من الثمر الذيذ الشهي. * (وماء مسكوب) *، أي: كثير
(٨٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 828 829 830 831 832 833 834 835 836 837 838 ... » »»