تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٨٢
إلا عتوا ونفورا، واستكبارا عن الحق، وقدحا فيه، * (فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين) *، أي: إلا منقول من كتب المتقدمين، ليس من عند الله، ولا أوحاه الله إلى رسوله. وكل أحد يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولم يتعلم من أحد. فمن أين يتعلمه؟ وأنى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؟ * (أولئك الذين) * بهذه الحالة الذميمة * (حق عليهم القول) *، أي: حقت عليهم كلمة العذاب * (في) * جملة * (أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس) * على الكفر والتكذيب، فسيدخل هؤلاء في غمارهم، ويغرقون في تيارهم. * (إنهم كانوا خاسرين) *، والخسران: فوات رأس مال الإنسان، وإذا فقد رأس ماله، فالأرباح من باب أولى وأحرى، فهم قد فاتهم الإيمان، ولم يحصلوا شيئا من النعيم، ولا سلموا من عذاب الجحيم. * (ولكل) * من أهل الخير وأهل الشر * (درجات مما عملوا) *، أي: كل على حسب مرتبته، من الخير والشر، ومنازلهم في الدار الآخرة، على قدر أعمالهم، ولهذا قال: * (وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون) * بأن لا يزاد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم. * (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) * يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون، فيقال لهم: * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) * حيث اطمأننتم إلى الدنيا، واغتررتم بلذاتها، ورضيتم بشهواتها، وألهتكم طيباتها عن السعي لآخرتكم، * (واستمتعتم بها ) * كما تتمتع الأنعام السارحة، فهي حظكم من آخرتكم. * (فاليوم تجزون عذاب الهون) *، أي: العذاب الشديد، الذي يهينكم ويفضحكم، * (بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق) *، أي: تنسبون الطريق الضالة التي أنتم عليها إلى الله، وإلى حكمه، وأنتم كذبة في ذلك، * (وبما كنتم تفسقون) *، أي: تتكبرون (وتخرجون) عن طاعته. فجمعوا بين قول الباطل، والعمل بالباطل، والكذب على الله، والقدح في الحق، والاستكبار عنه، فعوقبوا أشد العقوبة. * (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنآ إن كنت من الصادقين * قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ول كني أراكم قوما تجهلون * فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا ه ذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين * ولقد مكناهم فيمآ إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فمآ أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق به ما كانوا به يستهزئون) * أي: * (واذكر) * بالثناء الجميل * (أخا عاد) *، وهو: هود عليه السلام، حيث كان من الرسل الكرام، الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه، وإرشاد الخلق إليه. * (إذ أنذر قومه) * وهم عاد * (بالأحقاف) *، أي: في منازلهم المعروفة بالأحقاف، وهي: الرمال الكثيرة في أرض اليمن. * (وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه) * فلم يكن بدعا منهم، ولا مخالفا لهم، قائلا لهم: * (أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) *. فأمرهم بعبادة الله، الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد، ونهاهم عن الشرك والتنديد، وخوفهم إن لم يطيعوه العذاب الشديد فلم تفد فيهم تلك الدعوة. * (قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا) *، أي: ليس لك من القصد، ولا معك من الحق، إلا أنك حسدتنا على آلهتنا، فأردت أن تصرفنا عنها. * (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) *، وهذا غاية الجهل والعناد. * (قال إنما العلم عند الله) * فهو الذي بيده أزمة الأمور ومقاليدها، وهو الذي يأتيكم بالعذاب إن شاء. * (وأبلغكم ما أرسلت به) *، أي: ليس علي إلا البلاغ المبين، * (ولكني أراكم قوما تجهلون) * فلذلك صدر منكم ما صدر من هذه الجرأة الشديدة، فأرسل الله عليهم العذاب العظيم، وهو الريح التي دمرتهم وأهلكتهم. ولهذا قال: * (فلما رأوه) *، أي: العذاب * (عارضا مستقبل أوديتهم) *، أي: معترضا كالسحاب، قد أقبل على أوديتهم التي تسيل، فتسقي مزارعهم، ويشرون من آبارها وغدرانها. * (قالوا) * مستبشرين: * (هذا عارض ممطرنا) *، أي: هذا السحاب سيمطرنا. قال تعالى: * (بل هو ما استعجلتم به) *، أي: هذا الذي جنيتم به على أنفسكم، حيث قلتم: * (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) *. * (ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء) * تمر عليه من شدتها ونحسها. فسلطها الله عليهم سبع ليالي، وثمانية أيام حسوما، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * (بأمر ربها) *، أي: بإذنه ومشيئته. * (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) * قد تلفت مواشيهم وأموالهم وأنفسهم. * (كذلك نجزي القوم المجرمين) * بسبب جرمهم وظلمهم. هذا مع أن الله قد أدر عليهم النعم العظيمة، فلم يشكروه، ولا ذكروه، ولهذا قال: * (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) *، أي: مكناهم في الأرض، ينالون طيباتها، ويتمتعون بشهواتها،
(٧٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 777 778 779 780 781 782 783 784 785 786 787 ... » »»