تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٥٩
* (ولكن) * يؤاخذكم في * (ما تعمدت قلوبكم) * من الكلام، بما لا يجوز. * (وكان الله غفورا رحيما) * غفر لكم، ورحمكم، حيث لم يعاقبكم بما سلف، وسمح لكم بما أخطأتم به، ورحمكم حيث بين لكم أحكامه، التي تصلح دينكم ودنياكم، فله الحمد تعالى. * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا) * يخبر تعالى المؤمنين، خبرا يعرفون به حالة الرسول صلى الله عليه وسلم ومرتبته، فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة فقال: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * أقرب ما للإنسان، وأولى ما له نفسه. فالرسول أولى بالمؤمن من نفسه، لأنه عليه الصلاة والسلام، بذل لهم من النصح، والشفقة، والرأفة، ما كان به أرحم الخلق، وأرأفهم. فرسول الله، أعظم الخلق منة عليهم، من كل أحد، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من الخير، ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر، إلا على يديه وبسببه. فلذلك وجب عليهم إذا تعارض مراد النفس، أو مراد أحد من الناس، مع مراد الرسول، أن يقدم مراد الرسول، وأن لا يعارض قول الرسول، بقول أحد، كائنا من كان، وأن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم، ويقدموا محبته على الخلق كلهم، وألا يقولوا حتى يقول، ولا يتقدموا بين يديه. وهو صلى الله عليه وسلم، أب للمؤمنين، كما في قراءة بعض الصحابة، يربيهم كما يربي الوالد أولاده. فترتب على هذه الأبوة، أن كان نساؤه أمهاتهم، أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام، لا في الخلوة والمحرمية، وكأن هذا مقدمة، لما سيأتي في قصة زيد بن حارثة، الذي كان يدعى قبل (زيد بن محمد) حتى أنزل الله * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * فقطع نسبه وانتسابه منه. فأخبر في هذه الآية، أن المؤمنين كلهم، أولاد للرسول، فلا مزيد لأحد عن أحد. وإن انقطع عن أحدهم انتساب الدعوة، فإن النسب الإيماني لم ينقطع عنه، فلا يحزن ولا يأسف. وترتب على أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين، أنهن لا يحللن لأحد من بعده، كما صرح بذلك في قوله: * (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) *. * (وأولوا الأرحام) * أي: الأقارب، قربوا أو بعدوا * (بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * أي: في حكمه، فيرث بعضهم بعضا، ويبر بعضهم بعضا، فهم أولى من الحلف والنصرة. والأدعياء الذين كانوا من قبل، يرثون بهذه الأسباب، دون ذوي الأرحام. فقطع تعالى، التوارث بذلك، وجعله للأقارب، لطفا منه وحكمة، فإن الأمر لو استمر على العادة السابقة، لحصل من الفساد والشر، والتحيل لحرمان الأقارب من الميراث، شيء كثير. * (من المؤمنين والمهاجرين) * أي: سواء كان الأقارب مؤمنين مهاجرين، أو غير مهاجرين، فإن ذوي الأرحام مقدمون في ذلك. وهذه الآية حجة على ولاية ذوي الأرحام، في جميع الولايات، كولاية النكاح والمال وغير ذلك. * (إلا أن تفعلوا إلى أولياءكم معروفا) * أي ليس لهم حق مفروض، وإنما هو بإرادتكم. إن شئتم أن تتبرعوا لهم تبرعا، وتعطوهم معروفا منكم، * (كان) * ذلك الحكم المذكور * (في الكتاب مسطورا) * أي: قد سطر، وكتب، وقدره الله، فلا بد من نفوذه. * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما) * يخبر تعالى أنه أخذ من النبيين عموما، ومن أولي العزم وهم هؤلاء الخمسة المذكورون خصوصا، ميثاقهم الغليظ وعهدهم الثقيل المؤكد، على القيام بدين الله والجهاد في سبيله، وأن هذا سبيل قد مشى عليه الأنبياء المتقدمون، حتى ختموا بسيدهم وأفضلهم، محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بالاقتداء بهم. وسيسأل الله الأنبياء وأتباعهم، عن هذا العهد الغليظ هل وفوا فيه، وصدقوا؟ فيثيبهم جنات النعيم؟ أم كفروا، فيعذبهم العذاب الأليم؟ قال تعالى: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) *. * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جآءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) * يذكر تعالى عباده المؤمنين، نعمته عليهم، ويحثهم على شكرها، حين جاءتهم جنود أهل مكة والحجاز، من فوقهم، وأهل نجد، من أسفل منهم، وتعاقدوا،
(٦٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 654 655 656 657 658 659 660 661 662 663 664 ... » »»