تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩١
المشركون عام الحديبية فإن لم يجد الهدي فليصم بدله عشرة أيام كما في المتمتع ثم يحل ثم قال تعالى: * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * وهذا من محظورات الإحرام إزالة الشعر بحلق أو غيره لأن المعنى واحد من الرأس أو من البدن لأن المقصود من ذلك حصول الشعث والمنع من الترفه بإزالته وهو موجود في بقية الشعر وقاس كثير من العلماء على إزالة الشعر تقليم الأظفار بجامع الترفه ويستمر المنع مما ذكر حتى يبلغ الهدي محله وهو يوم النحر والأفضل أن يكون الحلق بعد النحر كما تدل عليه الآية ويستدل بهذه الآية على أن المتمتع إذا ساق الهدي لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر فإذا طاف وسعى للعمرة أحرم بالحج ولم يكن له إحلال بسبب سوق الهدي وإنما منع تبارك وتعالى من ذلك لما فيه من الذل والخضوع لله والانكسار له والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد وليس عليه في ذلك من ضرر فإذا حصل الضرر بأن كان به أذى من مرض ينتفع بحلق رأسه له أو قروح أو قمل ونحو ذلك فإنه يحل له أن يحلق رأسه ولكن يكون عليه فدية من صيام ثلاثة أيام أو صدقة على ستة مساكين أو نسك ما يجزئ في أضحية فهو مخير والنسك أفضل فالصدقة فالصيام ومثل هذا كل ما كان في معنى ذلك من تقليم الأظفار أو تغطية الرأس أو لبس المخيط أو التطيب فإنه يجوز عند الضرورة مع وجوب الفدية المذكورة لأن القصد من الجميع إزالة ما به يترفه ثم قال تعالى: * (فإذا أمنتم) * أي: بأن قدرتم على البيت من غير مانع عدو وغيره * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * بأن توصل بها إليه وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها * (فما استيسر من الهدي) * أي: فعليه ما تيسر من الهدي وهو ما يجزئ في أضحية وهذا دم نسك مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة ولإنعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة بعد فراغ العمرة وقبل الشروع في الحج ومثلها القرآن لحصول النسكين له ويدل مفهوم الآية على أن المفرد للحج ليس عليه هدي ودلت الآية على جواز بل فضيلة المتعة وعلى جواز فعلها في أشهر الحج * (فمن لم يجد) * أي: الهدي أو ثمنه * (فصيام ثلاثة أيام في الحج) * أول جوازها من حين الإحرام بالعمرة وآخرها ثلاثة أيام بعد النحر أيام رمي الجمار والمبيت بمنى ولكن الأفضل منها أن يصوم السابع والثامن والتاسع * (وسبعة إذا رجعتم) * أي: فرغتم من أعمال الحج فيجوز فعلها في مكة وفي الطريق وعند وصوله إلى أهله * (ذلك) * المذكور من وجوب الهدي على المتمتع * (لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * بأن كان عنه مسافة قصر فأكثر أو بعيدا عنه عرفا فهذا الذي يجب عليه الهدي لحصول النسكين له في سفر واحد وأما من كان أهله من حاضري المسجد الحرام فليس عليه هدي لعدم الموجب لذلك * (واتقوا الله) * أي: في جميع أموركم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ومن ذلك امتثالكم لهذه المأمورات واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الآية * (واعلموا أن الله شديد العقاب) * أي: لمن عصاه وهذا هو الموجب للتقوى فإن من خاف عقاب الله انكف عما يوجب العقاب كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب وأما من لم يخف العقاب ولم يرج الثواب اقتحم المحارم وتجرأ على ترك الواجبات (197) * (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) * يخبر تعالى أن * (الحج) * واقع في * (أشهر معلومات) * عند المخاطبين مشهورات بحيث لا تحتاج إلى تخصيص كما احتاج الصيام إلى تعيين شهره وكما بين تعالى أوقات الصلوات الخمس وأما الحج فقد كان من ملة إبراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم والمراد بالأشهر المعلومات عند جمهور العلماء: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فهي التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبا * (فمن فرض فيهن الحج) * أي: أحرم به لأن الشروع فيه يصيره فرضا ولو كان نفلا واستدل بهذه الآية الشافعي ومن تابعه على أنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهره قلت: لو قيل: إن فيها دلالة لقول الجمهور بصحة الإحرام [بالحج] قبل أشهره لكان قريبا فإن قوله: * (فمن فرض فيهن الحج) * دليل على أن الفرض قد يقع في الأشهر المذكورة وقد لا يقع فيها وإلا لم يقيده وقوله: * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) * أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج وخصوصا الواقع في أشهره وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية خصوصا عند النساء بحضرتهن والفسوق وهو: جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام والجدال وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة لكونها تثير الشر وتوقع العداوة والمقصود من الحج: الذل
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»