تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٠٢
فصدور الكتمان منهن دليل على عدم إيمانهن بالله واليوم الآخر وإلا فلو آمن بالله واليوم الآخر وعرفن أنهن مجزيات عن أعمالهن لم يصدر منهن شيء من ذلك وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة عما تخبر به عن نفسها من الأمر الذي لا يطلع عليه غيرها كالحيض والحمل ونحوه ثم قال تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * أي: لأزواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة أن يردوهن إلى نكاحهن * (إن أرادوا إصلاحا) * أي: رغبة وألفة ومودة ومفهوم الآية أنهم إن لم يريدوا الإصلاح فليسوا بأحق بردهن فلا يحل لهم أن يراجعوهن لقصد المضارة لها وتطويل العدة عليها وهل يملك ذلك مع هذا القصد؟ فيه قولان الجمهور على أنه يملك ذلك مع التحريم والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح لا يملك ذلك كما هو ظاهر الآية الكريمة وهذه حكمة أخرى في هذا التربص وهي: أنه ربما أن زوجها ندم على فراقه لها فجعلت له هذه المدة ليتروى بها ويقطع نظره وهذا يدل على محبته تعالى للألفة بين الزوجين وكراهته للفراق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق وهذا خاص في الطلاق الرجعي وأما الطلاق البائن فليس البعل بأحق برجعتها بل إن تراضيا على التراجع فلا بد من عقد جديد مجتمع الشروط ثم قال تعالى: * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) * أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة ومرجع الحقوق بين الزوجين ويرجع إلى المعروف وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص والعوائد وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة والمعاشرة والمسكن وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف فهذا موجب العقد المطلق وأما مع الشرط فعلى شرطهما إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا * (وللرجال عليهن درجة) * أي: رفعة ورياسة وزيادة حق عليها كما قال تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) * ومنصب النبوة والقضاء والإمامة الصغرى والكبرى وسائر الولايات مختص بالرجال وله ضعفا ما لها في كثير من الأمور كالميراث ونحوه * (والله عزيز حكيم) * أي: له العزة القاهرة والسلطان العظيم الذي دانت له جميع الأشياء ولكنه مع عزته حكيم في تصرفه ويخرج من عموم هذه الآية الحوامل فعدتهن وضع الحمل واللاتي لم يدخل بهن فليس لهن عدة والإماء فعدتهن حيضتان كما هو قول الصحابة رضي الله عنهم وسياق الآيات يدل على أن المراد بها الحرة (229) * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * كان الطلاق في الجاهلية واستمر أول الإسلام يطلق الرجل زوجته بلا نهاية فكان إذا أراد مضارتها طلقها فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك أبدا فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم فأخبر تعالى أن * (الطلاق) * أي: الذي تحصل به الرجعة * (مرتان) * ليتمكن الزوج إن لم يرد المضارة من ارتجاعها ويراجع رأيه في هذه المدة وأما ما فوقها فليس محلا لذلك لأن من زاد على الثنتين فإما متجرئ على المحرم أوليس له رغبة في إمساكها بل قصده المضارة فلهذا أمر تعالى الزوج أن يمسك زوجته * (بمعروف) * أي: عشرة حسنة ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم وهذا هو الأرجح وإلا يسرحها ويفارقها * (بإحسان) * ومن الإحسان أن لا يأخذ على فراقه لها شيئا من مالها لأنه ظلم وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء فلهذا قال: * (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) * وهي المخالعة بالمعروف بأن كرهت الزوجة زوجها لخلقه أو خلقه أو نقص دينه وخافت أن لا تطيع الله فيه * (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) *؛ لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة وفي هذا مشروعية الخلع إذا وجدت هذه الحكمة * (تلك) * أي: ما تقدم من الأحكام الشرعية * (حدود الله) * أي: أحكامه التي شرعها لكم وأمر بالوقوف معها * (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * وأي: ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال وتعدى منه إلى الحرام فلم يسعه ما أحل الله؟ والظلم ثلاثة أقسام: ظلم العبد فيما بينه وبين الله وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة وحقوق العباد لا يترك الله منها شيئا والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك تحت المشيئة والحكمة (230 - 231) * (فإن طلقها فلا
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»