فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود * (واتقوا الله) * هذا هو البر الذي أمر الله به وهو لزوم تقواه على الدوام بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإنه سبب للفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب فمن لم يتق الله تعالى لم يكن له سبيل إلى الفلاح ومن اتقاه فاز بالفلاح والنجاح (190 - 193) * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) * هذه الآيات تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة لما قوي المسلمون للقتال أمرهم الله به بعدما كانوا مأمورين بكف أيديهم وفي تخصيص القتال * (في سبيل الله) * حث على الإخلاص ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين * (الذين يقاتلونكم) * أي: الذين هم مستعدون لقتالكم وهم المكلفون الرجال غير الشيوخ الذين لا رأي: لهم ولا قتال والنهي عن الاعتداء يشمل أنواع الاعتداء كلها من قتل من لا يقاتل من النساء والمجانين والأطفال والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى وقتل الحيوانات وقطع الأشجار [ونحوها] لغير مصلحة تعود للمسلمين ومن الاعتداء مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها فإن ذلك لا يجوز * (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * هذا أمر بقتالهم أينما وجدوا في كل وقت وفي كل زمان قتال مدافعة وقتال مهاجمة ثم استثنى من هذا العموم قتالهم * (عند المسجد الحرام) * وأنه لا يجوز إلا أن يبدؤوا بالقتال فإنهم يقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم وهذا مستمر في كل وقت حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا فإن الله يتوب عليهم ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله والشرك في المسجد الحرام وصد الرسول والمؤمنين عنه وهذا من رحمته وكرمه بعباده ولما كان القتال عند المسجد الحرام يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام أخبر تعالى أن المفسدة بالفتنة عنده بالشرك والصد عن دينه أشد من مفسدة القتل فليس عليكم - أيها المسلمون - حرج في قتالهم ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة وهي: أنه يرتكب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله وأنه ليس المقصود به سفك دماء الكفار وأخذ أموالهم ولكن المقصود به أن * (يكون الدين لله) * تعالى فيظهر دين الله [تعالى] على سائر الأديان ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره وهو المراد بالفتنة فإذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال * (فإن انتهوا) * عن قتالكم عند المسجد الحرام * (فلا عدوان إلا على الظالمين) * أي: فليس عليهم منكم اعتداء إلا من ظلم منهم فإنه يستحق المعاقبة بقدر ظلمه (194) * (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) * يقول تعالى: * (الشهر الحرام بالشهر الحرام) * يحتمل أن يكون المراد به ما وقع من صد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية عن الدخول لمكة وقاضوهم على دخولها من قابل وكان الصد والقضاء في شهر حرام وهو ذو القعدة فيكون هذا بهذا فيكون فيه تطييب لقلوب الصحابة بتمام نسكهم وكماله ويحتمل أن يكون المعنى: إنكم إن قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قاتلوكم فيه وهم المعتدون فليس عليكم في ذلك حرج وعلى هذا فيكون قوله: * (والحرمات قصاص) * من باب عطف العام على الخاص أي: كل شيء يحترم من شهر حرام أو بلد حرام أو إحرام أو ما هو أعم من ذلك جميع ما أمر الشرع باحترامه فمن تجرأ عليها فإنه يقتص منه فمن قاتل في الشهر الحرام قوتل ومن هتك البلد الحرام أخذ منه الحد ولم يكن له حرمة ومن قتل مكافئا له قتل به ومن جرحه أو قطع عضوا منه اقتص منه ومن أخذ مال غيره المحترم أخذ منه بدله ولكن هل لصاحب الحق أن يأخذ من ماله بقدر حقه أم لا خلاف بين العلماء الراجح من ذلك أنه إن كان سبب الحق ظاهرا كالضيف إذا لم يقره غيره والزوجة والقريب إذا امتنع من تجب عليه النفقة [من الإنفاق عليه] فإنه يجوز أخذه من ماله
(٨٩)