تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٧
السهولة في أصله وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهله تسهيلا آخر إما بإسقاطه أو تخفيفه بأنواع التخفيفات وهذه جملة لا يمكن تفصيلها لأن تفاصيلها جميع الشرعيات ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات * (ولتكملوا العدة) * وهذا - والله أعلم - لئلا يتوهم متوهم أن صيام رمضان يحصل المقصود منه ببعضه رفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته ويشكر الله [تعالى] عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده وبالتكبير عند انقضائه ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد (186) * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) * هذا جواب سؤال سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزل: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * لأنه تعالى الرقيب الشهيد المطلع على السر وأخفى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فهو قريب أيضا من داعيه بالإجابة ولهذا قال: * (أجيب دعوة الداع إذا دعان) * والدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة والقرب نوعان: قرب بعلمه من كل خلقه وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق فمن دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء كأكل الحرام ونحوه فإن الله قد وعده بالإجابة وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية والإيمان به الموجب للاستجابة فلهذا قال: * (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) * أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره سبب لحصول العلم كما قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) * (187) ثم قال تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) * كان في أول فرض الصيام يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع فحصلت المشقة لبعضهم فخفف الله تعالى عنهم ذلك وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع سواء نام أو لم ينم لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به * (فتاب) * الله * (عليكم) * بأن وسع لكم أمرا كان - لولا توسعته - موجبا للإثم * (وعفا عنكم) * ما سلف من التخون * (فالآن) * بعد هذه الرخصة والسعة من الله * (باشروهن) * وطأ وقبلة ولمسا وغير ذلك * (وابتغوا ما كتب الله لكم) * أي: انووا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله تعالى والمقصود الأعظم من الوطء وهو حصول الذرية وإعفاف فرجه وفرج زوجته وحصول مقاصد النكاح ومما كتب الله لكم ليلة القدر الموافقة لليالي صيام رمضان فلا ينبغي لكم أن تشتغلوا بهذه اللذة عنها وتضيعوها فاللذة مدركة وليلة القدر إذا فاتت لم تدرك * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) * هذا غاية للأكل والشرب والجماع وفيه أنه إذا أكل ونحوه شاكا في طلوع الفجر فلا بأس عليه وفيه: دليل على استحباب السحور للأمر وأنه يستحب تأخيره أخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد وفيه: أيضا دليل على أنه يجوز أن يدركه الفجر وهو جنب من الجماع قبل أن يغتسل ويصح صيامه لأن لازم إباحة الجماع إلى طلوع الفجر أن يدركه الفجر وهو جنب ولازم الحق حق * (ثم) * إذا طلع الفجر * (أتموا الصيام) * أي: الإمساك عن المفطرات * (إلى الليل) * وهو غروب الشمس ولما كان إباحة الوطء في ليالي الصيام ليست إباحته عامة لكل أحد فإن المعتكف لا يحل له ذلك استثناه بقوله: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * أي: وأنتم متصفون بذلك ودلت الآية على مشروعية الاعتكاف وهو لزوم المسجد لطاعة الله [تعالى] وانقطاعا إليه وأن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد ويستفاد من تعريف المساجد أنها المساجد المعروفة عندهم وهي التي تقام فيها الصلوات الخمس وفيه أن الوطء من مفسدات الاعتكاف * (تلك) * المذكورات - وهو تحريم الأكل والشرب والجماع ونحوه من المفطرات في الصيام وتحريم الفطر على غير المعذور وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات * (حدود الله) * التي حدها لعباده ونهاهم عنها فقال: * (فلا تقربوها) * أبلغ من قوله فلا تفعلوها لأن القربان يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه والنهي عن وسائله الموصلة
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»