تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٥٣
الموسوس المسول. فنهى تعالى عباده، أن تغرهم الدنيا، أو يغرهم بالله الغرور * (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) *. * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) * قد تقرر أن الله تعالى، أحاط علمه بالغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، وقد يطلع الله عباده على كثير من الأمور الغيبية، وهذه الأمور الخمسة، من الأمور التي طوى علمها عن جميع الخلق، فلا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فضلا عن غيرهما، فقال: * (إن الله عنده علم الساعة) * أي: يعلم متى مرساها، كما قال تعالى: * (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة) * الآية. * (وينزل الغيث) * أي: هو المنفرد بإنزاله، وعلم وقت نزوله. * (ويعلم ما في الأرحام) * فهو الذي أنشأ ما فيها، وعلم ما هو، هل هو ذكر أم أنثى. ولهذا يسأل الملك الموكل بالأرحام ربه: هل هو ذكر أم أنثى؟ فيقضي الله ما يشاء. * (وما تدري نفس ما تكسب غدا) * من كسب دينها ودنياها. * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * بل الله تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه. ولما خصص هذه الأشياء، عمم علمه بجميع الأشياء فقال: * (إن الله عليم خبير) * محيط بالظواهر والبواطن، والخفايا والخبايا، والسرائر. ومن حكمته التامة، أن أخفى علم هذه الخمسة عن العباد؛ لأن في ذلك من المصالح، ما لا يخفى على من تدبر ذلك. تم تفسير سورة لقمان. سورة السجدة * (ال م * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون) * يخبر تعالى أن هذا الكتاب الكريم، تنزيل من رب العالمين، الذي رباهم بنعمته. ومن أعظم ما رباهم به، هذا الكتاب، الذي فيه كل ما يصلح أحوالهم، ويتمم أخلاقهم. وأنه لا ريب فيه، ولا شك، ولا امتراء، ومع ذلك قال المكذبون للرسول الظالمون في ذلك: افتراه محمد، واختلقه من عند نفسه. وهذا من أكبر الجراءة على إنكار كلام الله، ورمي محمد صلى الله عليه وسلم، بأعظم الكذب، وقدرة الخلق على كلام مثل كلام الخالق. وكل واحد من هذه من الأمور العظائم. قال الله رادا على من قال: افتراه: * (بل هو الحق) * الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. * (من ربك) * أنزله رحمة للعباد * (لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) * أي: في حالة ضرورة وفاقة لإرسال الرسول، وإنزال الكتاب، لعدم النذير. بل هم في جهلهم يعمهون، وفي ظلمة ضلالهم يترددون. فأنزلنا الكتاب عليك * (لعلهم يهتدون) * من ضلالهم، فيعرفون الحق ويؤثرونه. وهذه الأشياء التي ذكرها الله، كلها مناقضة لتكذيبهم له: وإنها تقتضي منهم الإيمان والتصديق التام به، وهو كونه * (من رب العالمين) * وأنه * (الحق) * والحق مقبول على كل حال، وأنه * (لا ريب فيه) * بوجه من الوجوه. فليس فيه، ما يوجب الريبة، لا يخبر غير مطابق للواقع، ولا بخفاء واشتباه معانيه. وأنهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة، وأن فيه الهداية لكل خير وإحسان. * (الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون * يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) * يخبر تعالى عن كمال قدرته بأنه * (الذين خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) * أولها، يوم الأحد، وآخرها الجمعة، مع قدرته على خلقها بلحظة، ولكنه تعالى رفيق حكيم. * (ثم استوى على العرش) * الذي هو سقف المخلوقات، استواء يليق بجلاله. * (ما لكم من دونه من ولي) * يتولاكم في أموركم، فينفعكم * (ولا شفيع) * يشفع لكم، إن توجه عليكم العقاب.
(٦٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 648 649 650 651 652 653 654 655 656 657 658 ... » »»