تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٥٢
ليقيم بذلك من مصالح العباد ومنافعهم، في دينهم ودنياهم، ما به يعتبرون وينتفعون. و * (كل) * منهما * (يجري إلى أجل مسمى) * إذا جاء ذلك الأجل، انقطع جريانهما، وتعطل سلطانهما، وذلك في يوم القيامة، حين تكور الشمس، ويخسف القمر، وتنتهي دار الدنيا، وتبتدىء الدار الآخرة. * (وإن الله بما تعلمون) * من خير وشر * (خبير) * لا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجازيكم على تلك الأعمال، بالثواب للمطيعين، والعقاب للعاصين. * (ذلك) * الذي بين لكم من عظمته وصفاته، ما بين * (بأن الله هو الحق) * في ذاته وفي صفاته، ودينه حق، ورسله حق، ووعده حق، ووعيده حق، وعبادته هي الحق. * (وأن ما يدعون من دونه الباطل) * في ذاته وصفاته. فلولا إيجاد الله له، لما وجد، ولولا إمداده، لما بقي. فإذا كان باطلا، كانت عبادته أبطل وأبطل. * (وأن الله هو العلي) * بذاته، فوق جميع مخلوقاته، الذي علت صفاته عن أن يقاس بها صفات، وعلا على الخلق فقهرهم * (الكبير) * الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته، وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض. * (ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) * أي: ألم تر من آثار قدرته ورحمته، وعنايته بعباده، أن سخر البحر، تجري فيه الفلك، بأمره القدري، ولطفه وإحسانه. * (ليريكم من آياته) * ففيها الانتفاع والاعتبار. * (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) *. المنتفعون بالآيات، كل صبار على الضراء، شكور على السراء، صبار على طاعة الله وعن معصيته، وعلى أقداره، شكور لله، على نعمه الدينية والدنيوية. وذكر تعالى حال الناس، عند ركوبهم البحر، وغشيان الأمواج كالظلل فوقهم، أنهم يخلصون الدعاء لله والعبادة فقال: * (فلما نجاهم إلى البر) * وانقسموا فريقين: * (فمنهم) * فريق * (مقتصد) * أي: لم يقم بشكر الله على وجه الكمال، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم. وفريق كافر بنعمة الله، جاحد لها، ولهذا قال: * (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار) * أي: غدار، ومن غدره أنه عاهد ربه، لئن أنجيتنا من البحر وشدته، لنكونن من الشاكرين. فغدر هذا الفريق ولم يف بذلك، وهو ومع ذلك * (كفور) * بنعم الله. فهل يليق بمن نجاهم الله من هذه الشدة، إلا القيام التام بشكر نعم الله؟ * (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) * يأمر تعالى الناس بتقواه، التي هي: امتثال أوامره، وترك زواجره. ويستلفتهم لخشية يوم القيامة، اليوم الشديد، الذي فيه كل أحد، لا يهمه إلا نفسه * (واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) * يزيد في حسناته ولا ينقص من سيئاته، قد تم على كل عبد عمله، وتحقق عليه جزاؤه. فلفت النظر لهذا اليوم المهول، مما يقوي العبد، ويسهل عليه تقوى الله. وهذا من رحمة الله بالعباد، يأمرهم بتقواه التي فيها سعادتهم، ويعدهم عليها الثواب، ويحذرهم من العقاب، ويزجرهم عنه بالمواعظ والمخوفات. فلك الحمد يا رب العالمين. * (إن وعد الله حق) * فلا تمتروا فيه، ولا تعملوا عمل غير المصدق، فلهذا قال: * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) * بزينتها وزخارفها، وما فيها من الفتن والمحن. * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * الذي هو الشيطان، ما زال يخدع الإنسان ولا يغفل عنه في جميع الأوقات. فإن لله على عباده حقا، وقد وعدهم موعدا يجازيهم فيه بأعمالهم، وهل وفوا حقه، أم قصروا فيه. وهذا أمر يجب الاهتمام به، وأن يجعله العبد نصب عينيه، ورأس مال تجارته التي يسعى إليها. ومن أعظم العوائق عنه والقواطع دونه، الدنيا الفتانة، والشيطان
(٦٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 647 648 649 650 651 652 653 654 655 656 657 ... » »»