المكاره، وتيسر عليه كل عسير، واستقل من عمله كل كثير. * (ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) * أي: قد ضعف إيمانهم، وقل يقينهم، فخفت لذلك أحلامهم، وقل صبرهم. فإياك أن يستخفك هؤلاء، فإنك إن تجعلهم منك على بال، وتحذر منهم، وإلا استخفوك، وحملوك على عدم الثبات، على الأوامر والنواهي. والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة. وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن، رزين العقل، يسهل عليه الصبر. وكل ضعيف اليقين، ضعيف العقل خفيفه. فالأول، بمنزلة اللب، والآخر بمنزلة القشور. فالله المستعان. سورة لقمان * (ال م * تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون * أول ئك على هدى من ربهم وأول ئك هم المفلحون) * يشير تعالى إشارة دالة على التعظيم إلى * (آيات الكتاب الحكيم) * أي: إن آياته محكمة، صدرت من حكيم خبير. ومن إحكامها، أنها جاءت بأجل الألفاظ وأفصحها، وأبينها، الدالة على أجل المعاني وأحسنها. ومن إحكامها، أنها محفوظة من التغيير والتبديل، والزيادة والنقص، والتحريف. ومن إحكامها: أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة، والأمور الغيبية كلها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، ولم يخبر بخلافها نبي من الأنبياء، ولم يأت، ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح، يناقض ما دلت عليه. ومن إحكامها: أنها ما أمرت بشيء، إلا هو خالص المصلحة، أو راجحها. ولا نهت عن شيء، إلا وهو خالص المفسدة، أو راجحها. وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر حكمته وفائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته. ومن إحكامها: أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ، الذي تعتدل به النفوس الخيرة، وتحتكم، فتعمل بالحزم. ومن إحكامها: أنك تجد آياتها المتكررة، كالقصص، والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها وتواطأت، فليس فيها تناقض، ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا، وأعمل فيها العقل تفكرا، انبهر عقله، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ، وجزم جزما لا يمترى فيه، أنه تنزيل من حكيم حميد. ولكن مع أنه حكيم يدعو إلى كل خلق كريم، وينهى عن كل خلق لئيم. أكثر الناس محرومون من الاهتداء به، معرضون عن الإيمان والعمل به، إلا من وفقه الله تعالى وعصمه، وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق. فإنه * (هدى) * لهم، يهديهم إلى الصراط المستقيم، ويحذرهم من طرق الجحيم. * (ورحمة) * لهم، تحصل لهم به، السعادة في الدنيا والآخرة، والخير الكثير، والثواب الجزيل، والفرح، ويندفع عنهم الضلال والشقاء. ثم وصف المحسنين، بالعلم التام، وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب الله، فيتركون معاصيه. ووصفهم بالعمل وخص من العمل، عملين فاضلين. * (يقيمون الصلاة) * المشتملة على الإخلاص، ومناجاة الله تعالى، والتعبد العام للقلب واللسان، والجوارح المعينة، على سائر الأعمال. * (ويؤتون الزكاة) * التي تزكي صاحبها: من الصفات الرذيلة، وتنفع أخاه المسلم، وتسد حاجته، ويبين بها أن العبد يؤثر محبة الله على محبته للمال، فيخرج محبوبه من المال، لما هو أحب إليه، وهو طلب مرضاة الله. * (أولئك) * المحسنون، الجامعون بين العلم التام والعمل * (على هدى) * أي: عظيم، كما يفيده التنكير. وذلك الهدى حاصل لهم، وواصل إليهم * (من ربهم) * الذي لم يزل يربيهم بالنعم، ويدفع عنهم النقم. وهذا الهدى الذي أوصله إليهم، من تربيته الخاصة بأوليائه، وهو أفضل أنواع التربية. * (وأولئك هم المفلحون) * الذين أدركوا رضا ربهم، وثوابه الدنيوي والأخروي، وسلموا من سخطه وعقابه. وذلك لسلوكهم طريق الفلاح، الذي لا طريق له غيرها. * (ومن الناس من يشتري
(٦٤٦)